مع كل مناسبة سياسية كانت، أو دينية، أو عسكرية يقع اللبناني ضحية زحمة السير المرورية، خصوصًا في بلد تعاني بنيته التحتية من ترهل كبير، ويبدو ذلك واضحاً مع بداية موسم تساقط الأمطار، فتغرق الطرقات ويتوقف السير، وينتظر المواطن لساعات على الطرقات حتى يأتي الفرج، حتى أصبحت زحمة السير جزءا طبيعيا من يومياته. لكن كالمعتاد لا حلول جذرية في لبنان، فالدولة غير قادرة على إنتاج الحلول والمواطن الذي ينتظر الأعياد المجيدة ليرفّه عن نفسه يقع في فخ أرتال من السيارات التي تقف خلف بعضها البعض على اتوسترادات يمر فيها الوقت بصعوبة وتحول فرحة الأعياد الى توتّر عام.

بعد تعالي صرخات المواطنين عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمطالبات الحثيثة بحلول جذرية لهذه الأزمة الخانقة، تواصلت "النشرة" مع عضو ​لجنة الأشغال​ العامة والنقل النائب ​حكمت ديب​ الذي أكد أن "اللجنة تعمل على درس خطة للنقل العام المشترك لتخفيف الازدحام المروري"، مشددا على أن "هذه الخطة مدروسة وتختلف عن ما سبقها من خطط".

وكشف أن "الخطة هي تقريبا قطار على دواليب، على مداخل بيروت الثلاث الشمالي والشرقي والجنوبي المكتظة بالسيارات"، موضحا أنه "سيقتطع قسما من الاوتوستراد من خط الاياب وآخر من الذهاب، لانشاء خط وسطي مخصص للباص السريع الذي سيكون لديه نقاط تجمع، حيث يقوم المواطن بركن سيارته والصعود الى اليه".

وشدد ديب على أن "الحل هو بالنقل العام أو الخاص المشترك"، مؤكدا "أننا بلجنة الأشغال، نسعى للاسراع بتطبيق هذه الخطة لتخفيف الأزمة، وهناك أفكار متعددة لكننا نذهب نحو الخطط المنطقية وغير المكلفة، ومنها مثلا اعادة تشغيل سكة الحديد الموجودة أصلا".

ولفت الى أن "عدد السيارات الموجودة في لبنان من أعلى النسب في العالم، فهناك 450 سيارة لكل ألف مواطن بينما في الدول الاوروبية مثلا النسبة لا تصل الى 150 سيارة بالألف"، مشيرا الى أنه "يمكن تطوير الطرق والأنفاق ولكنها لا تتحمل هذا العدد الكبير من السيارات".

وبين أسباب متعددة للزحمة، كثر يلقون اللوم على قوى الأمن الداخلي، لكن الخبيرة في الأكاديمية اللبنانية للسلامة المرورية د. ​جويل باسيل​ أكدت في حديث لـ"النشرة" أن "أسباب زحمة المرور لا ترتبط اليوم بأداء قوى الأمن الداخلي أساسا، لذلك أي إجراء تقوم به القوى الأمنية هو ردّة فعل وإجراء ذات مفعول موقت لا يغيّر في واقع الزحمة".

وأوضحت أن "أسباب الاختناق المروري متعددة ومن بينها غياب النقل العام والمواقف العمومية على حدود بيروت الكبرى وداخلها، سوء التنظيم المدني والبناء العشوائي على الاوتوسترادات، ضعف أداء البلديات وغياب تدخلات جدية من قبلها وتسليمها ملفّ الإدارات المركزية، عدم وحدة إدارة المرور وتشعب الصلاحيات بين هيئة إدارة السير وقوى الأمن والبلديات، بالاضافة الى كثرة المحميّات السياسية وغيرها، عدم وجود صيانة للطرقات من تصريف مياه وفواصل وحفر وغياب خطط النقل عشوائية التدخلات غير المبنية على دراسات".

من جهته شدد مدير الأكاديمية اللبنانية للسلامة المرورية، ​كامل ابراهيم​ في حديث لـ"النشرة" على "ضرورة وجود إرادة جدية لمعالجة مشكلة السير، بطريقة علمية، وتخفيف عدد المركبات عبر ايجاد البديل"، مشيرا الى أن "حل المشكة لا يكون فقط بشراء باصات جديدة بل بكيفية تشغليها بشكل لائق وتعزيز ثقافة النقل العام لدى المواطن اللبناني".

واعتبر ابراهيم أن "التجارب السابقة في هذا المجال لم تكن مشجّعة وفي السابق تم شراء وتشغيل 200 باص، ولكنها لم تشغل بالشكل المطلوب والآن لا أحد يعلم أين هي. وفي بعض الأحيان بعض شركات سيارات الأجرة تمنع الباصات من التنقل على خطوط معنية"، مؤكدا ضرورة أن يكون لـ"الدولة هيبة لتطبيق خطط النقل".

ولفت الى أنه "بحال تم تطبيق خطة النقل المشترك، يبقى لدينا تساؤلات حول عمّا اذا سيكون هناك مواقف محددة لنقل المواطنين وهل ستلتزم الباصات بمواعيد الانطلاق والوصول. وبالتالي يجب أن تكون الخطة محدّدة بشكل مدورس"، معتبرا أن "نسبة عالية من المواطنين وبشكل مؤكد ستستخدم النقل العام بهذه الحالات، بسبب غياب المواقف العامة واضطرار المواطن لاستخدام الـ "parking" أو الـ"park meter" ما يرفع الكلفة عليه".

ورأى ابراهيم أن "احدى طرق تخفيف الازدحام المروري هي بتأمين مواقف عند مداخل بيروت الكبرى، حتى يركن المواطن سيارته ومن ثم ينطلق الى المكان الذي يريده عبر وسائل النقل المشترك"، معتبرا أن "تغيير البنى التحتية يساعد على تخفيف الازدحام، لكنة ليس حلا لأنه بحاجة الى وقت".

وأكد على "وجود جهود تقوم بها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، لكن لا يمكن أن نستمر دون خطة وطنيّة شاملة، والانتقال الى المكننة والفصل بين الشرطي الذي ينظّم السير والعناصر التي تطبق قانون السير"، مشيرا الى أن "هناك مسؤولية تقع أيضا على عاتق القوى الأمنيّة ويجب تأهيل العناصر وتحويل مكاتب السوق الى مدارس بالاضافة الى تغيير امتحان الحصول على رخصة القيادة، وعدم جعله بالسهولة الحالية".

بعد ما كتب وسيكتب عن زحمة السير، هل كل التسويات التي حدثت في البلد والتي لم تكن متوقّعة ستنتج حلولاً جذرية لأزمات المواطن خصوصًا أن الأزمات السياسية بين الأفرقاء خفّت حدّتها؟