أعطت قيادة "حزب الله" منذ بضعة أيّام "الضوء الأخضر" لمسؤوليها السياسيّين والإعلاميّين، لفتح معركة قانون الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، وقد باشر الكادر السياسي والإعلامي للحزب-من أعلى الهرم نزولاً، إطلاق مواقف رافضة لقانون الستّين الذي كان قد أعيد إحياؤه في الدوحة سنة 2008، مع إدخال بعض التعديلات عليه. فما هي أسباب هذه المعركة؟

أوّلاً: إنّ الوقت بدأ يضيق في ما خصّ موعد الإنتخابات النيابيّة المُقبلة والتي يُفترض أن تنظّم ضمن مهلة شهرين قبل إنتهاء ولاية المجلس الحالي المُمدّد لنفسه في 20 حزيران 2017، علمًا أنّ البلاد دخلت بالتالي في مرحلة العدّ العكسي للإجراءات التنظيميّة والقانونيّة التي تسبق أيّ إنتخابات، والتي يُفترض بدورها أن تنطلق قبل ستة أشهر من إنتهاء ولاية أي مجلس. وهذا الأمر دفع "الحزب" إلى التحرّك سريعًا خشيّة فرض أمر واقع على القوى السياسيّة كافة، يتمثّل بإجراء الإنتخابات وفق القانون الحالي، أو إرجائها لموعد لاحق، وبالتالي التمديد للمرّة الثالثة للمجلس الحالي، بغضّ النظر إذا كان هذا التمديد قصيرًا ولأسباب تقنيّة ولوجستيّة، أم طويلاً ولأسباب سياسيّة محض.

ثانيًا: إنّ "حزب الله" يرفض إجراء الإنتخابات وفق قانون الستّين الذي جرى تعديل بعض بنوده وتغيير بعض تقسيماته في مؤتمر الدوحة سنة 2008، وذلك لأنّ هذا القانون الذي راهنت عليه قوى "8 آذار" بالتحالف مع "التيّار الوطني الحُرّ" لقلب موازين القوى في البلاد في حينه، لجهة فوز هذا التحالف على قوى "14 آذار" السابقة، لم يؤمّن أغلبيّة نيابيّة لقوى "8 آذار"، بل ثبّت تقدّم قوى "14 آذار" السابقة في أكثر من موقع. ويخشى "حزب الله" أنّ يُؤدّي تكرار الإنتخابات وفق القانون نفسه، في ظلّ التحالفات المُستجدّة، لا سيّما بين "التيار الوطني الحُرّ" وحزب "القوّات اللبنانيّة"، إلى فشله مُجدّدًا بالإمساك-مع حلفائه السياسيّين، بأغلبيّة عدديّة في مجلس النوّاب.

ثالثًا: إنّ الإحصاءات والدراسات التي جرى تنظيمها في الأشهر القليلة الماضية بيّنت أنّ خوض الإنتخابات النيابيّة وفق "قانون الدوحة" سيُؤدّي إلى خسارة كل من كتلة "لبنان أوّلاً" بقيادة "تيّار المُستقبل" وكتلة "جبهة النضال الوطني" بقيادة "الحزب التقدمي الإشتراكي" لعدد من النوّاب، إضافة إلى فُقدان بعض النوّاب "المُستقلين" لمقاعدهم. لكنّ الفائدة من هذه التبدّلات لن تعود لقوى "8 آذار" إلا جزئيًا في أفضل الأحوال، حيث هناك خشية من أن يدخل كل من رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب وليد جنبلاط في تفاهمات وتسويات مع تحالف "العَونيّين-القوّات"، في غير مصلحة القوى السياسيّة المُتحالفة مع "الحزب". وحتى في حال خوض "التيّار" معارك إنتخابيّة ضُدّ "المُستقبل" و"الإشتراكي"، فإنّ تحالفه مع "القوّات" سيؤدّي إلى أن يكسب حزب "القوّات" العديد من المقاعد الإضافية بموازاة مكاسب "التيار الوطني الحُرّ" من دون أن يحدث أي تبدّل جذري في موازين القوى الداخليّة بين قوى "8 و14 آذار" السابقة.

رابعًا: إنّ "حزب الله" يرغب بإستعادة المُبادرة، وبعدم تحجيم قوى "8 آذار" وحصر تمثيلها خارج تحالفها مع "التيار البرتقالي" بمجموع المقاعد الشيعيّة التي نصّ عليها الدُستور اللبناني، إضافة إلى بعض المقاعد المُتفرّقة في دوائر يطغى الصوت الشيعي فيها على سواه. وبالتالي، يهمّ "الحزب" أن يتم التوصّل إلى قانون جديد للإنتخابات النيابيّة، يُعطي فرصة لحلفائه السنّة والدروز بخرق لوائح خُصومهم، ولا يحصر التمثيل المسيحي الساحق بكل من "التيّار الوطني الحُرّ" و"القوّات اللبنانيّة" بل يُعطي حلفاء "الحزب" في الساحة المسيحيّة، القُدرة على التواجد وفرض النفس.

في الختام، يُمكن القول إنّ "حزب الله" فتح معركة قانون الإنتخابات النيابيّة المُقبلة من اليوم، وهو سيُركّز في حملاته السياسيّة والإعلاميّة على طلب إعتماد النسبيّة الكاملة، وعلى توسيع الدوائر الإنتخابيّة قدر المُستطاع. لكن وبما أنّ مسألة إقرار أيّ قانون إنتخابات جديد لا يُمكن أن تتم إلا بموافقة المجلس الحالي وبتصويته عليها، فإنّ الأمور مفتوحة على كل الإحتمالات في المُستقبل، بدءًا بتقديم كل القوى السياسيّة تنازلات مُتبادلة للوصول إلى "قانون تسوية"، وُصولاً إلى عدم إجراء الإنتخابات النيابية... حتى إشعار آخر!