قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري الاتفاق على سلّة كاملة، وهو طرح لم يلق تجاوباً كاملاً. هدّد هذا الموضوع بتطيير اجواء التفاؤل والمعطيات الايجابية التي وصلت الى لبنان في فترة قياسية، وكادت "السلّة" ان تطيّر الاستحقاقات وانطلاق القطار السياسي بشكل طبيعي.

"تمترس" بري خلف السلّة واخذ يذكّر بها عند كل محطة تم فيها تأجيل الاستحقاق الرئاسي وبعده الاستحقاق الحكومي، وحتى حين تم الحديث عن الاستحقاق النيابي حيث بقي قانون الانتخاب واقفاً دون حراك. ولكن، مع تقدم الوقت، ظهر ان هذه السلّة لم تكن اساسيّة من اجل الوصول الى اتفاقات او تفاهمات او حتى نسج "مصالح مشتركة" كفيلة بتخطي العوائق الواحد تلو الآخر في الطريق الى الاستقرار السياسي. الدليل الاول تمثل بالانتخابات الرئاسية التي جرت دون اخذ السلّة في الاعتبار، ووسط سجالات وانتقادات متبادلة بين بري واقطاب مسيحيّة وصلت الى الصرح البطريركي في بكركي، قبل ان تنقشع الغيوم وظهرت صورة عون على كرسي الرئاسة في بعبدا.

الدليل الثاني كان في تشكيل الحكومة التي، ورغم ما حاول البعض الايحاء به، ابصرت النور في وقت مقبول جداً وضمن مهلة اكثر من معقولة، علماً ان الكثير تحدّث عن السلّة حين كانت العراقيل تظهر بين الوقت والآخر وتؤدي الى ارجاء الاعلان عن تشكيل الحكومة بسبب مطالب البعض، الى ان ادت الامور في نهاية المطاف الى الوصول الى الغاية المنشودة.

الدليل الثالث فرض نفسه بشكل اكثر وضوحاً، واتى في شكل البيان الوزاري للحكومة والذي كان من الطبيعي ألاّ يأخذ وقتاً طويلاً كي يخرج من كنف مجلس الوزراء لاحالته الى مجلس النواب ويشكل "جواز سفر" الحكومة الى كسب الثقة النيابية، وذلك بسبب مشاركة الجميع في الحكومة (دون الكتائب).

اذاً، وبعد ثلاثة استحقاقات مهمة، تبيّن ان السلّة المتكاملة لم تكن التصريح الالزامي الواجب الحصول عليه لفتح الأبواب امام المسار السياسي الطبيعي للبلد، فمن الذي أفرغ هذه السلّة من اهميتها؟ بنظرة موضوعية، يمكن القول ان رئيس مجلس النواب ليس بالشخص الذي يمكن تجاوزه في المسائل الداخلية، ولكن موضوعياً ايضاً، بات من المنصف القول انه لم يعد الشخص الذي يمسك بكل المفاتيح والذي من دونه، تبقى ابواب الحلول مغلقة الى أمد غير معروف. في الواقع، اثبتت الارادة الدولية قدرتها على الامساك بالاوضاع في لبنان على مرّ التاريخ، ولم تتغيّر المسألة مع انشغال العالم بالحرب السوريّة وتداعياتها في المنطقة التي طالت اكثر من بلد، حيث لعبت المظلة الامنيّة دورها بشكل كامل، فيما اثمرت "اللامبالاة" الخارجيّة حماساً داخلياً فلعب البعض ادواراً لم يعتد عليها من قبل، وجد انها مفيدة له فيما ركب البعض الآخر قطار الحل وحجز مقعدا له كي لا يبقى واقفاً على المحطة في انتظار موعد وصول قطار آخر ولو طال الوقت.

وبالتالي، احدث الخارج "ثقباً" في سلّة بري افرغتها من اهميّتها ومن شروطها التي كانت تعتبر اساسية ولا غنى عنها للخروج من المراوحة السياسيّة التي خدّرت همّة البعض، وتركت الكثيرين "ضائعين" وينتظرون على المقاعد كي يعرفوا مسار الامور، ليدركوا ولو متأخّرين ان عجلة الحياة السياسية عادت الى الدوران.

يبقى استحقاق اخير، وقد يكون من بين الاكثر اهمية، وهو قانون الانتخاب، فماذا سيكون مصيره وهل سيبقى معلّقاً بحبال السلّة، ام ان ما صحّ بالنسبة الى الاستحقاقات الاخرى سيطال قانون الانتخاب؟ سؤال ليس من السهل الاجابة عليه، ولكن المتفائلين يستبشرون خيراً بالتجربة الاخيرة والتي انجزت الكثير من الامور بوقت قياسي ويعتبرون انها كفيلة بتغيير الطريقة التي اعتاد اللبنانيون على مقاربتها، والتي سيستغرقون بعض الوقت، في حال تم اعتمادها بالفعل، لمعرفة نقاط ضعفها والضغط عليها لعرقلة مسيرتها.