لا يختلف اثنان على ان ​الجيش اللبناني​ يقوم بمهامه على اكمل وجه، وعلى انه الجواب الناجع للجميع حين تتعقد الامور على الصعيدين السياسي والامني، وعلى انه يقوم بكل ذلك وفق امكانات متواضعة بدأت تتحسن نسبياً حين حاول الارهاب فرض نفسه بالقوة، فتأمنت للجيش بعض المعدات التي ساعدته على مواجهة الارهابيين في كل المناطق واحباط مخططاتهم وتفكيك شبكاتهم.

في الفترة السابقة، عانى الجيش، وبفعل ضعف القرار السياسي من جهة و"استقواء" المجموعات الارهابية من جهة ثانية، مما يمكن اعتباره "كسر هيبة" له، فتم استهداف العديد من العسكريين والضباط بشكل فردي وجماعي، وكان الارهابيون يتربصون بالجنود اللبنانيين حتى تحوّل كل جندي الى هدف إرهابي. ولكن في الآونة الاخيرة، وبعدما حصّنت قيادة الجيش ​المؤسسة العسكرية​ من الاجواء السياسية، وبفعل الثقة المحلية والدولية التي وضعت في الجيش، وبفعل العمليات النوعية ان على الصعيد العسكري او على الصعيد الامني التي نفذها عناصر الجيش، تحولت المعادلة وبات السكوت على الاعتداء على الجيش وعناصره ينتمي الى مرحلة سابقة. الخطوة الجديدة المنتظرة تتمثل في ان اي اعتداء او تعدٍّ على الجيش لن يمرّ مرور الكرام، وسيكون ثمنه باهظاً، ولن يتم التوقف بعد اليوم عند اعتبارات امنية او سياسية او حساسية من هنا او هناك. هذا القرار ظهر بوضوح من خلال عمليات توقيف عديدة طاولت اشخاصاً اطلقوا الرصاص على عناصر للجيش على الحواجز ومنها على سبيل المثال لا الحصر (بقاعصفرين-الضنية في الرابع من الشهر الحالي)، فيما كان الرد سريعاً على قتل العريف الشهيد على القاق في الهرمل.

لم تعد اي ذريعة صالحة من اجل تبرير الاعتداء على الجيش، فللجيش هيبته التي يجب ان تصان، ويعلم الجميع ان هذه المؤسسة العسكرية بالتحديد تحاسب من يخطىء فيها، وهو السبب الاول والرئيسي الذي يجعلها تكتسب ثقة الناس ومحبتهم. ان هيبة الجيش مطلوبة بشكل دائم، ويجب المحافظة عليها لانه من دونها، يتزعزع الاستقرار الامني، ويصبح الارهاب اكثر فاعلية وحرية في البلد. وتخيلوا ماذا يمكن ان يحصل في المخيمات الفلسطينية مثلاً او في مخيمات النازحين او في الاحياء الشعبية في كل المناطق اللبنانية لو تم افساد هيبة الجيش وحضوره القوي والفاعل.

ان قرار الجيش بالرد على اي اعتداء يطاله، لا تنحصر ايجابياته بالمؤسسة العسكرية وافرادها فحسب، بل ايضاً بالثقة بأن الدولة على الطريق الصحيح نحو اعادة بناء المؤسسات. ففي ظل الوهن الذي اصاب السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، يبقى الرهان دائماً على الجيش وهذا هو لسان حال القوى الخارجية ايضاً التي عرفت ان اي ضعف يطال الجيش اللبناني، من شأنه ان ينعكس سلباً على مجمل الاوضاع في لبنان ويضعه في آتون الحرائق التي اندلعت في دول المنطقة ولم توفّر احداً من نيرانها. كما انه ليس من المتوقع ان تدخل السياسة على خط الضغط على الجيش مجدداً، لان اوضاع المنطقة حددت اطراً معينة يمكن للسياسة ان تلعب في هامشها، ولكنها لن تتخطى السقف الموضوع لها، وما شهده ويشهده مخيم "عين الحلوة" من عمليات للجيش يجسّد هذا الامر بالقول والفعل.

وبالتزامن مع هذه الصيغة الجديدة، كان واضحاً ايضاً تراجع منسوب التهجّم الكلامي على الجيش من قبل سياسيين لبنانيين، وعلى الرغم من عدم وجود قرار برفع حصانة النواب الذين يتعرضون للجيش، الا ان الجو العام فرض تراجع هؤلاء وجعل كل من يريد استهداف الجيش ولو بالكلام، يفكّر اكثر من مرة قبل اقدامه على هذه الخطوة.

ايجابيات كثيرة تركها قرار الجيش عدم السكوت على التعرض له، وهي خطوة نتمنى ان تبقى وتستمر طوال الوقت، لما فيه مصلحة الجيش ولبنان واللبنانيين بشكل عام.