حين سألني أحد الأصدقاء، بلهفته الصادقة، كيف اتوقف عن الكتابة وهي الماء والأوكسيجين بل الحب والحياة، لم أجد ما اقوله سوى انني لم أعد مؤمنًا بجدوى الصراخ على الورق، الكلمة الآن للزحفاطونيين ونحن بمثابة الملغى او المؤجل او المتوقف عن الحياة.

اليوم أعود الى الحياة والى الكتابة لأقول للرئيس العماد ميشال عون وبعد تشكيل الحكومة، ومن موقع المؤمن بفخامته منذ نعومة أظافري، منذ كنت التقيه وانا طفلة عند ابي نعيم ظابطًا يعود من الجبهة ويخلع نعليه ويضع رجليه المنتفختين في الماء الساخن.

من السهل جدًا القول ان الماضي مضى والحاضر هو عتبة المستقبل، اذًا، نطوي الصفحة القديمة ونفتح صفحة جديدة وعلى طريقة مات الملك عاش الملك نردد اليوم مات لبنان عاش لبنان.

ومن زاوية شخصية جدًا، اناشد القائد الرئيس القوي ان يبقي صفحة لبنان الماضي مفتوحة أمامه، لبنان الطائف وما قبله، لبنان الحرب وما قبلها، لبنان الإستقلال وما قبله، يقرأها في الصباح قبل ان يحضر الى مكتبه ليمارس مهامه ومسؤولياته. ففي هذه الصفحة يظهر لبنان على حقيقته واللبنانيون على حقيقتهم، وفيها أيضًا ستجد العجائب والغرائب من أعراض الأمراض والأوبئة التي تعشعش في جسد هذا المجتمع الفاسد، وستتعرف عن كثب الى شهوات اللبنانيين البهيمية وغرائزهم البدائية، وسترى بأم العين مدى الاستعداد لارتكاب الحقارات والدناءات، وسيشيب شعر رأسك من هول الشجع والانحطاط والانهيار.

فخامة القائد، نحن شعب يرتدي المدنيّة كما يرتدي الثياب، الا ان في داخل كل منا وتحت الثياب مباشرة يكمن مخلوقا مشوها غير متورّع، قيمه المكاسب عن ايّة طريق أتت، وأخلاقه الربح ولا شيء غيره والمزيد منه ولو كان الفحش هو الوسيلة، أما شعب لبنان العظيم فهو قشّة محمولة على الظهر، او صفقة غير مشروعة، انه في كل حال سلعة برسم البيع او الإيجار.

كلنا للوطن؟ ليس صحيحًا هذا النشيد. كلنا على الوطن، هذا هو الواقع وهذا هو الصحيح. فكلنا على استعداد لتسليم هذا اليتيم المستباح الكرامة لأول من يلوح بالأصفر الرنّان.

فخامة الرئيس، تراهم وتسمعهم وتحار في أمرهم وتغرق في القرف واليأس، في البيت يتحدثون عن السيّارة والشاليه والبناية والمتجر والصفقة والأرباح. وفي المطعم لا حديث عندهم الا المال والصفقات والمباني، فلان حقّق الملايين في صفقة بواسطة آخر، وفلان اشترى سيارة بنصف مليون دولار، وآخر باع بناية بكذا مليون، وفلان لطش أرضًا بكذا الف متر وآخر اصبح ميليارديرًا بين ليلة وضحاها. انما لا تسمع اي فلان من هؤلاء يخطىء ويتحدث عن هموم الناس المعيشية وعن ارتفاع الأسعار الجنونية او عن مشكلة اجتماعية او بيئية او عن ضمان الشيخوخة او عن أزمة الكهرباء والماء او عن اقساط المدارس والجامعات. ولا ترى بين هذه الألوف الزاحفة المتدافعة بالمناكب نحو المكاسب من يحمل سوطًا او يشهر سيفًا.

فخامة القائد، الحلم أصبح حقيقة والسفينة اضحت بقيادتك فأنت اليوم من نتوخى ان يكون حامل السوط وشاهر السيف. قبل الأمن والمعاهدات، عليك ان تكمل بمواجهتك هذا الوحش المخيف، بعد مصرعه يهون علينا كل أمر ويتحقق لنا وللبناننا وشعبه العظيم حتى المستحيل.

ولا أنكر اننا خائفون عليك من هذا الوحش وخائفون منك ليس لأنك جئت من موقع مختلف عنهم فقط، انما خائفون ألاّ يدعوك تحقق الحلم لتقفل عنهم مزاريب الفسق والفساد.

فماذا يبقى اذًا للذين يخسرون حتى الحلم؟