مع نهاية العام الحالي، يمكن التأكيد بأن لبنان أثبت مرة جديدة أنه بلد العجائب، على وقع التوافق الذي حصل في إنتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وعودة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ إلى السراي الحكومي من جديد، بعد أكثر من سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي.

من جهة ثانية، أكدت الأجهزة الأمنية اللبنانية على دورها في مكافحة الجماعات الإرهابية وحماية الإستقرار الداخلي، بالإضافة إلى تجاوز ما كان يعتبر من الخطوط الحمراء على مستوى عملها، من دخول إلى عمق مخيم عين الحلوة لتنفيذ عملية إعتقال أمير تنظيم "داعش" عماد ياسين، والإنطلاق إلى الحرب الإستباقية في إعتقال مسؤول التنظيم الإرهابي نفسه في بلدة عرسال.

وفي الأيام الأخيرة من 2016، الذي شهد إنتهاء الإنقسام التقليدي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، يبدو أن التحدي الأبرز أمام مختلف القوى السياسية سيكون إقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية، بعد النجاح في إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها، على أمل ألاّ يعود قانون الستين الحالي إلى الضوء من جديد، خصوصاً أنه لا يزال يطل برأسه من حين إلى آخر.

عون رئيساً

في بداية العام الجاري، لم يكن أحد يتوقع أن تكون نهاية الفراغ الرئاسي بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، خصوصاً أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري كان يدعم ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​، ويرفض بشكل حاسم الذهاب إلى خيار رئيس تكتل "التغيير والإصلاح"، إلا أنه في الأشهر الأخيرة حصلت تحولات كبرى قادت الحريري للإنضمام إلى الفريق المؤيد لـ"الجنرال"، بعد أن سبقه إلى هذا الخيار رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​.

هذا التبدل في المواقف لم يمرّ من دون بعض التجاذبات القاسية، لا سيما أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان يشترط التوافق على سلة شاملة قبل إنتخاب الرئيس الجديد، الأمر الذي رفض بشكل مطلق من قبل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وكل من التيار "الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" بشكل أساسي.

بالتزامن، لم يسلّم رئيس تيار "المردة" بالخسارة سريعاً بعد أن كانت الرئاسة في "جيبه"، حيث تفاقم خلافه مع "الوطني الحر" وصولاً إلى تشكيل حكومة العهد الأولى، لكنه في النهاية فضّل المواجهة عبر "الورقة البيضاء" التي كانت الحاضر الأبرز في جلسة إنتخاب الرئيس الجديد المثيرة للجدل، على وقع تهديد رئيس المجلس بالذهاب إلى المعارضة وإعلان الجهاد الأكبر.

الحريري في السراي

التسوية نفسها التي قادت إلى إنتخاب عون رئيساً للجمهورية، أعادت سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة بشبه إجماع، حيث تمت تسميته من أغلب الكتل النيابية، في الإستشارات الملزمة، باستثناء كتلة "الوفاء للمقاومة" والنائب عن حزب "البعث" عاصم قانصو، ما دفعه إلى خوض مفاوضات صعبة في التشكيل، بدأت من حكومة تضم 24 وزيراً وإنتهت بحكومة من 30 وزيراً، حيث كان المطلوب أن تكون حكومة وحدة وطنية تضم مختلف الأفرقاء، لكن حزب "الكتائب" إختار البقاء خارجها بسبب غياب المعايير الموحدة عن عملية التشكيل، بعد أن كان خرج من الحكومة السابقة برئاسة تمام سلام إعتراضاً على عدم الأخذ برأيه على طاولة مجلس الوزراء.

وخلال فترة قياسية، نجحت حكومة سعد الحريري الثانية في إنجاز البيان الوزاري، ومن ثم الذهاب إلى مجلس النواب للحصول على ثقة نواب الأمة، لكن هذا لا يلغي المخاوف من تحوّلها إلى ساحة إشتباك بسبب تركيبتها غير المتجانسة، كما أنه لا يمكن نسيان الصراع بين أفرقائها والذي ظهر بشكل جليّ في مفاوضات التشكيل، وتمثّل بسعي قوى الثامن من آذار إلى منع "القوات اللبنانية" من الحصول على "جائزة الترضية" التي وعدت بها من "الوطني الحر"، بالإضافة إلى إصرار الأخير على "تحجيم" رئيس تيار "المردة" من خلال رفض منحه حقيبة أساسية، لكن الأخير نجح في النهاية من الحصول على ما يريد نتيجة التضامن معه من جانب رئيس المجلس النيابي.

ومن حيث المبدأ، وضعت الحكومة الجديدة على رأس قائمة أولوياتها إقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية تجري على أساسه في موعدها، على أمل عدم تجرع كأس التمديد للمرة الثالثة أو البقاء على قانون الستين الحالي. كما لا يمكن أخيرا تجاهل الضجة التي أحدثتها قضية إستحداث وزارات جديدة مثل وزارة الدولة لشؤون المرأة لا سيما أن على رأسها الوزير جان أوغاسابيان.

"حزب الله": بين الدول الخليجية وأزمة المصارف

على وقع الإتهامات التي كانت توجه إلى "حزب الله" بعرقلة الإستحقاق الرئاسي، على مدى أشهر العام 2016، كان الحزب نفسه الحاضر الأبرز على الساحة السياسية، إنطلاقاً من الأزمة مع البلدان الخليجية، التي قادت إلى إعلان المملكة العربية السعودية وقف الهبات العسكرية التي كان مقدمة إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، بالإضافة إلى تصنيف الحزب منظمة إرهابية من قبل بعض الدول العربية، بالتزامن مع التحذيرات التي أطلقتها تلك الدول إلى رعاياها بشأن زيارة لبنان.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل الأزمة التي إندلعت بين الحزب والمصارف على خلفية إلتزام الأخيرة بالقوانين الأميركية التي فرضت إجراءات صارمة على الحسابات التي تعود إلى أفراد أو مؤسسات قريبة من الحزب، وضمن هذا السياق وُضع التفجير الذي إستهدف مبنى بنك لبنان والمهجر في فردان، إلا أن الجهود، لا سيما تلك التي قام بها مدير عام أمن العام اللواء عباس إبراهيم، نجحت بالوصول إلى شبه تسوية حول هذا الملف.

وفي حين شكل الإستعراض العسكري الذي قام به الحزب في بلدة القصير السورية مادة سجال بارزة على المستوى المحلي، عاشت العلاقات اللبنانية مع البلدان الخليجية موجة واسعة من التفاؤل في نهاية العام مع إنتخاب الرئيس ميشال عون، خصوصاً أن هذه البلدان أرسلت موفدين عنها للتهنئة، كما أن الزيارة الخارجية الأولى لرئيس الجمهورية ستكون إلى السعودية كما هو مقرر.

الإنجازات الأمنية

على المستوى الأمني، نجحت الأجهزة اللبنانية، لا سيما ​الجيش اللبناني​ والأمن العام، في تحقيق إنجازات فشلت بالوصول إليها نظيرتها في الدول المتقدمة، أبرزها كان على مستوى الحرب الإستباقية على الجماعات الإرهابية التي وردت في خطاب القسم، لكن هذا لم يمنع وقوع بعض العمليات لا سيما تلك التي جرت في بلدة القاع البقاعية، بالإضافة إلى العبوة التي إنفجرت عند دوار الكسارة في مدينة زحلة.

في هذا السياق، كانت العمليتان الأبرز من مسؤولية مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، حيث نجحت في الأولى من الدخول إلى قلب مخيم عين الحلوة وإعتقال أمير تنظيم "داعش" في المخيم عماد ياسين، في عملية إحترافية وصفت بالنظيفة وحازت على تقدير مختلف الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، في حين أن الثانية كانت أكثر دقة في عمق جرود بلدة عرسال في البقاع الشمالي، وأدت إلى إصطياد القيادي في "داعش" أحمد يوسف أمون.

هذه الإنجازات، لا تلغي الدور اليومي الذي تقوم به الأجهزة الأمنية على صعيد حفظ الأمن والإستقرار ومكافحة الإرهاب، خصوصاً على الحدود الشرقية حيث تتمركز مجموعات إرهابية في بلدة عرسال، وهو جهد تستحق عليه التهنئة والإشادة في ظل الأوضاع المضطربة على مستوى المنطقة، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية المتشنجة التي رافقت عملها في معظم أشهر 2016.

الإنتخابات البلدية وقانون الإنتخاب

من الأحداث المهمة على المستوى الداخلي في العام الحالي، كان نجاح وزارة الداخلية والبلديات في إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها، الأمر الذي أنهى الأسباب الموجبة التي كانت توضع لتبرير التمديد في ولاية المجلس النيابي، لكنها في العديد من المناطق خيضت وفق التحالفات الجديدة، خصوصاً على الساحة المسيحية بعد التفاهم بين "الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، من دون إهمال بروز دور جمعيات المجتمع المدني، حيث واجهت اللائحة التوافقية التي ضمت مختلف القوى السياسية في العاصمة بيروت لائحة ثانية حملت إسم "بيروت مدينتي"، لكن المفاجأة الكبرى كانت في طرابلس حيث نجحت اللائحة المدعومة من وزير العدل السابق أشرف ريفي في هزيمة اللائحة المقابلة التي تجمع كل القوى والشخصيات البارزة في المدينة.

في المقابل، بعد إنجاز التسوية الرئاسية وتشكيل الحكومة الجديدة ستكون الإنتخابات النيابية وقانونها الجديد العنوان الأبرز على الساحة السياسية في العام المقبل، لا سيما في ظل إعلان مختلف القوى عن رغبتها في إجرائها في موعدها المحدد في شهر أيار المقبل، لكن المخاوف تبقى من إحتمال إستمرار الخلاف على القانون الذي ستجري على أساسه، بين النسبي والمختلط والأكثري، حيث سيكون قانون الستين الحالي هو الوحيد المتوفر، في حين أن رئيس الجمهورية يعتبر من أبرز المعارضين له ورئيس المجلس النيابي يعتبره "نحراً" للعهد الجديد، لكن هذا لا يلغي مقولته الشهرية: "قلوبهم معه وسيوفهم عليه".

في المحصلة، هذه هي أبرز عناوين العام 2016 التي كانت مفصلية على مستوى الحياة السياسية، وحملت معها مجموعة واسعة من المفاجآت قضت على تحالفات تقليدية بين الأفرقاء وأدت إلى إنهاء خصومات تاريخية من أيام الحرب اللبنانية، لكنها لا تستطيع أن تلغي بعض الأحداث المهمة، أبرزها الإفراج ومن ثم إعادة سجن الوزير السابق ميشال سماحة، صدور القرار الإتهامي في تفجير مسجدي السلام والتقوى، خروج النائب السابق حسن يعقوب من السجن مقابل كفالة مالية، الطلاق السياسي بين أشرف ريفي وتيار "المستقبل"، بالاضافة الى أزمة النفايات التي لم تنته بعد.