هل سوريا امام منعطف جديد في مسار الحل السياسي ام جولة من المحادثات وتليها عمليات عسكرية مطوّلة؟ لا شكّ ان اتفاق وقف اطلاق النار الجديد والذي تعرّفه دمشق بوقف العمليات القتاليّة، هو من أهمّ الاتفاقات التي مرّت على الازمة السورية، كون الضامنين لنجاحه هم موسكو وانقرة وطهران وبموافقة الفصائل المسلحة على الارض لكن هل سيمنع ذلك من تجدد العنف؟.

تشير المصادر الرسمية في سوريا، الى ان وقف العمليّات القتالية هي لأجل مسمّى، وليست الى ما لا نهاية، وهي مرتبطة بالمحادثات والوصول الى اتفاق بين الأفرقاء في الآستانة في كازاخستان، وفي حال رفض المعارضة التسوية السياسية، فمن المؤكد أنّ الأرض السوريّة ستلتهب من جديد، وستشهد معارك عنيفة، ربما ستكون الأقسى على الفصائل المنهزمة والتي تشهد تراجعا ملحوظًا.

على الجانب اللوجستي والعلني لا تفرض دمشق أيّة شروط لمشاركتها في مؤتمر الآستانة، بل تراه فرصة جديدة للاتفاق والحل السياسي، لكن ذلك لا يغير بموقفها بشيء تجاه رفضها التام لمشاركة الاخوان المسلمين في السلطة، وكان وزير الخارجية السوري واضحا برفضه الحوار مع أنقرة "العدو والمعتدي على الاراضي السورية". ورفض "الاخوان" ينسحب على المجموعات المُشَكّلة على أساس طائفي وديني، وهي لا يمكن ضمّها لأيّ جهة عسكرية سوريّة، واكثر ما يمكن قبوله تحويل بعض هذه المجموعات الى لجان دفاع تساعد في القتال ضد الإرهابيين، مثلها مثل باقي المجموعات التي تمّت تسوية أوضاعها مع الحكومة السوريّة، وانضوت تحت راية لجان الدفاع الوطني، وتقاتل ضد المنظّمات الارهابية، او تدافع عن مناطقها ضد "داعش" و"النصرة"، ولذا تضع القيادة السورية خطوطا حمراء عريضة على أيّ محاولة لخرق عقيدة ​الجيش السوري​ الوطنيّة.

توضح المصادر السورية عبر "النشرة" أن ما ربحه الجيش السوري في الميدان وخاصة في​حلب​، لن تخسره دمشق في السياسة، وهي تدرك ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محشور بين المشروع الكردي في الشمال السوري، وخسارة حلب، وتذبذب علاقته مع واشنطن، وان لا خيارات له سوى الانصياع للطروحات الروسية، حفاظا على ما تبقى له من نفوذ، اما المملكة العربيّة السعودية وقطر فلا دور لهما في الآستانة، إذ أن المجموعات المدعومة منهما اضطرت لقبول الاتفاق، خوفا من وصفها بالمجموعات الإرهابيّة وتصبح معرضة للإبادة.

في السياسة ايضا، لا حديث عن موضوع الرئاسة فالخيار يبقى للشعب السوري، والسيادة لا تُجَزّأ، ممّا يعني أن القوى الحليفة الداعمة للجيش السوري جاءت بموافقة وبطلب من الحكومة، ووجودها شرعي وفقا للقانون الدولي، وبالتالي فإن الوفد السوري سيحضر في المفاوضات اقوى من ذي قبل، بثوابته المعروفة وسيفتح النقاش حول بعض التعديلات الدستورية، والمشاركة في الحكومة ومن سيأتي من المعارضة ليتحدث عن غير ذلك سيجد نفسه بعيدا عن الواقع.

في الميدان لن تتوقف العمليّات العسكريّة بالحدّ الادنى ضد تنطيم "داعش" الذي سيتلقى ضربات قاصمة خلال المرحلة المقبلة، وستنتقل العمليات العسكرية باتجاه المناطق الشرقية، ويمكن ان تمتد باتجاه مناطق نفوذ جبهة "النصرة"، وستكون اختبارًا لنوايا وصدقية الموقّعين على وقف النار، والمؤكد ان العديد من الفصائل ستواصل قتالها ضد الجيش السوري تحت مسميّات مختلفة.

في الخلاصة ترى المصادر، بأن القيادة السورية ترحب بالحل السياسي، وتجنيب سوريا المزيد من الدماء، اذ انه رغم انتصارات الجيش السوري، فإن الثمن اصبح باهظا جدا، ويثقل كاهل السوريين، لكن في حال عدم وضوح الرؤية لنضوج التسوية السياسيّة، فانه لا خيار سوى باستمرار القتال، ومما لاشك فيه ان بعد الآستانة، ستندلع المعارك من جديد.