في حين ذهب وزير الخارجية الإيراني ​محمد جواد ظريف​، إلى وصف إتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل اليه في سوريا بموجب اتفاق روسي تركي، بـ"الإنجاز الكبير"، كل المؤشرات توحي بأن بلاده غير راضية عنه، خصوصاً أنه يعيد أنقرة إلى الواجهة من بوابة "المنتصر"، في حين أن طهران لا تعتبر أن تركيا تستحق هذه "الجائزة"، لا سيما أنها كانت الداعم الأول لمختلف فصائل المعارضة السورية المسلحة على مدى السنوات السابقة، وبالتالي ترى أن من المفترض معاقبتها على هذا الدور.

وعلى الرغم من التحالف القوي بين الدولتين الروسية والإيرانية في الساحة السورية، حيث تعتبران من أبرز داعمي الدولة السورية في الحرب التي تخوضها، إلا أن الإنطلاق نحو المرحلة السياسية من المواجهة سيقود إلى تناقض الأهداف والمصالح بينهما على الأرجح، نظراً إلى أن لكل من طهران وموسكو رؤيتها الخاصة لمسار الأحداث، وهو ما ظهر بشكل جلي خلال النسخة الأولى من إتفاق وقف إطلاق النار في مدينة حلب، قبل أن يتم تعديله بسبب الإعتراضات الإيرانية والسورية عليه.

على هذا الصعيد، سعت ​روسيا​ من البداية إلى تضمين الدور العسكري الذي تقوم به، منذ دخوله المباشر على خط الحرب، آخر على المستوى السياسي يستند إلى إطلاق مفاوضات بين الحكومة والمعارضة، وهي لم تتردد على هذا الصعيد في طرق الأبواب السعودية، عندما كانت علاقاتها مع تركيا تشهد توتراً كبيراً على خلفية حادثة إسقاط الطائرة الروسية من جانب مقاتلات تركية، وتم الحديث حينها عن ترتيب زيارة قام مدير مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك إلى الرياض، بالتزامن مع الإتصالات والمشاورات التي كانت تقوم بها مع الجانب الأميركي، عبر اللقاءات شبه الدورية بين وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وجون كيري.

بعد فشل خطة العمل على المسار السعودي نتيجة مواقف الرياض المتشددة، ومن ثم نجاح وزارة الدفاع الأميركية في عرقلة الجهود، التي كانت تقوم بها وزارة الخارجية، على صعيد التعاون مع موسكو، وجدت روسيا أن الفرصة مناسبة لطرق الأبواب التركية بعد الإنقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته أنقرة، نظراً إلى حالة الغضب التي كانت تسيطر على الرئيس ​رجب طيب أردوغان​ من دور الولايات المتحدة على هذا الصعيد، لا سيما في ظل رفضها تسليمه الداعية المعارض فتح الله غولن، بالإضافة إلى دعم واشنطن قوات "سوريا الديمقراطية"، ذات الأغلبية الكردية، الأمر الذي ترى فيه أنقرة تهديداً لأمنها القومي، وهو ما دفعها إلى إطلاق حملة عسكرية تحت إسم "درع الفرات" تحت عنوان: محاربة تنظيم "داعش"، بهدف منع الأكراد من وصل كونتونات الفيدرالية الثلاث التي أعلنوا عنها.

إنطلاقاً من هذا الواقع، ترى موسكو اليوم أن الفرصة مناسبة لإطلاق مسار المفاوضات السياسية، عبر مؤتمر الآستانة الذي يجري التحضير له، وهي تراهن على إلتزام الرئيس الأميركي المنتخب ​دونالد ترامب​ بالتعهدات التي كان قد قطعها في خطاباته الإنتخابية، بعيداً عن محاولات الرئيس الحالي باراك أوباما "تفخيخ" مسار العلاقات الروسية-الأميركية قبل نهاية ولايته، وتستند في هذا المجال على العلاقة الجيدة مع أنقرة والتوقعات الإيجابية لسياسة ترامب السورية، خصوصاً أن الأخير يعلن أن ما يهمه هو محاربة الإرهاب لا توتير العلاقة مع الرئيس فلاديمير بوتين أو السعي إلى إسقاط الرئيس ​بشار الأسد​، في حين أن طهران تدرك جيداً أن ترامب، الملتزم في تأمين المصالح الإسرائيلية بشكل حاسم، سيسعى إلى محاصرتها ومحاربة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وهو لم يتردد في أكثر من مناسبة في التعبير عن رغبته في إلغاء الإتفاق النووي معها.

بالتزامن، لا تفضل الجمهورية الإسلامية إعطاء أي دور لتركيا في المرحلة المقبلة، مع العلم أن روسيا عملت في الفترة الأخيرة على جمع الجانبين في موسكو لإبرام تفاهمات ثلاثية حول سوريا، وهي سبق لها أن ضغطت على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لمنعها من الدخول في معركة تحرير الموصل، بينما ضغطت أنقرة لأبعاد عناصر "الحشد الشعبي"، المدعومة من طهران، عن المدينة عبر رفع شعار حماية سكانها من الإنتهاكات التي يقوم بها هؤلاء العناصر، وترى أن من الضروري إستمرار المعارك العسكرية التي تحقق نجاحات على الأرض الواقع، من دون إهمال عامل التنافس القائم بين الجانبين الروسي والإيراني على النفوذ في سوريا، لا سيما أن أنقرة عمدت، في الأيام الأخيرة، إلى التركيز على دور "حزب الله"، والدعوة إلى خروجه من سوريا.

في المحصلة، دخلت ​الأحداث السورية​ مساراً جديداً، بانتظار معرفة توجهات الرئيس الأميركي المنتخب في المرحلة المقبلة، نظراً إلى أن السياسة الفعلية التي سيلتزم بها ترامب هي التي ستحكم عليه بالنجاح أو الفشل من جديد.