طال انتظار التسوية السورية بعد امتداد الأزمة على مساحة سنوات ست. لم يكن يعرف السوريون ان عمر الحرب سيطول الى هذه الدرجة. كان أنصار الدولة ينتظرون الحسم العسكري شهرا بعد شهر، ومؤيدو المعارضة يجزمون بسقوط "النظام" بعد شهور، وربما أيام. بين كَرّ وفرّ، مرّت الأعوام الستة، ليحمل معه العام الجديد إرث الحرب وأمل عودة الاستقرار والسلام. لكن هل تعود سوريا الى ما قبل عام 2011؟

بالطبع سوريا القديمة طوت صفحاتها، ودخلت تدريجيا في مرحلة جديدة. صحيح ان الدولة صمدت، والمعارضة عجزت عن ازاحة الرئيس بشار الاسد، و​الجيش السوري​ واجه أشد انواع الإرهابيين الآتين من كل دول العالم، مدعومين بالسلاح والاموال ومسنودين بأهم العواصم الدولية بحجة معارضة النظام.

بعد سنوات ست، يعود العالم الى ما قاله الاسد يوما حول الحرب في بلاده، بربطه استقرار العالم بدمشق. كان يظن زعماء دوليون ان الاسد "غير واقعي" أو يهوّل على العواصم الغربية والعربية الداعمة للمعارضة السورية. ها هو العام 2017 يحلّ حاملاً معه فشل الرهان على سقوط الاسد، وصحة كلام الرئيس السوري حول تمدد الاٍرهاب.

تأتي مشاريع التسوية الآن بوقف إطلاق نار لا يصنّف بالشامل، رغم تسميته بذلك. هو جزئي لأنه يستثني المجموعات "الجهادية". ستليه ايضا تسوية سياسية تستثني المجموعات نفسها. كان يمكن اجراء تلك التسوية منذ عام 2011 قبل دخول سوريا الحرب المفتوحة. لكن الكل جرّب وسقط في تجربة السنوات الست. الآن سيدخل "النظام" مفاوضات التسوية قوياً بعد صموده، وستجلس مقابله قوى مسلحة مرجعيتها تركيا التي باتت تشكل احد أركان الثلاثي الدولي الداعم للحل، اي أنقره-موسكو- طهران.

لماذا تركيا وليس السعودية التي تبنّت مجموعات مسلحة قادرة؟ يجيب احد اهم الباحثين والمفكرين العرب كمال الطويل: "​روسيا​ هي أكثر من يدرك ألاّ حل في سوريا دون شراكةٍ تركية، أحب الكل أو البعض ذلك أم كرهه: 15% من مواطنيها تُرك سنة وهي بغنى عن عداوة 1400 مليون سنيّ (مبررة أم غير مبررة) وعن أن تبدو طرفاً في نزاعٍ نجح كثيرون في جعله يتظهر مذهبياً، ولأن تركيا هي الجانب الرئيسي في الصراع ضد النظام، وليس السعودية أو باقي الخليج، فالصفقة تعقد معها لا مع سواها... ناهيك ان الكسوف السعودي يحتلك بلا هوادة بما يجعلها لاعباً منتكساً وغير رئيس (يُراعى ولا يُقرر).

لذلك بدا ان همّ موسكو الأساس كان إفشال أي محاولة اميركية لإسقاط نظام صديق بالقوة، والثاني كان قتال "الجهادية" في موقع خارجي قريب ومهدِّد، والثالث كان تعزيز المنصة الكونيّة عبر تواجد بحري-جوي شرق المتوسط .

بالنسبة للإدارة الاميركية الجديدة الهم الأساس هو القضاء على "داعش". ثم الحد من النفوذ الإيراني في العراق وسوريا.

على هذا الأساس تبدو الصورة موزَّعة في العام 2017 بين تكفّل تركي بالقوى "الجهادية" في شمال سوريا بفعل إمساكها لورقة الجغرافيا. اما ورقة داعش خرجت من يدها كلياً. وفي الحالتين تعتقد أنقره ان الحاجة الدولية لها ستزداد، من الباب شمال حلب الى الميادين في دير الزور لقتال الدواعش. بدأت الملامح تظهر بالشراكة الروسية التركية، ومؤازرة الروس للجيش التركي جوا في الباب. هنا تعتبر أنقره ان الأميركيين سيحتاجون الى دورها لاحقاً، لان اولوية الرئيس الأميركي دونالد ترامب محاربة "داعش". عندها تصبح تصرفات الأكراد الانفصالية مجرد ورقة عابرة تُطوى بعد استخدامها فقط للضغط على تركيا. هذا ما يشيعه الأتراك.

امام هذا المشهد يحمل معه العام 2017 انتصارا لروسيا، ونجاحاً لسوريا، وعدم خسارة الأتراك، وانكفاء الأميركيين عن دورهم الذي اعتادت عليه المنطقة في السنوات الاخيرة. الخاسر الأساس سيكون الخليج العربي. والرابح سيكون ايران، فيما تتفرج ​اسرائيل​ على متغيرات لم تصب لصالحها كما ارادت، بدليل صمود "سوريا الاسد" رغم التسوية المرتقبة والتعديلات التي تحملها الى الحكم والنظام. ستتفرج تل ابيب ايضا على أحلاف تنشأ بين روسيا وإيران وتركيا والصين ودول اخرى صارت جميعها ضد سياسات واشنطن التاريخية في الشرق الاوسط. الا اذا بدّل ترامب من توجهات بلاده بشكل جذري.