لا شك ان الاجواء السائدة في ​لبنان​ منذ اندلاع الحرب السورية، جعلته بلداً "محسودا" من قبل الدول المجاورة والعربية بشكل عام. صحيح ان الاستقرار الامني كان بغطاء دولي وجهد لا يمكن ان ينكره احد للقوى الامنية بشكل عام، وللجيش اللبناني بشكل خاص، لكن التحسّن السياسي اعطى الامل بأن يبدأ لبنان مسيرة انفصالية عن مصير الدول القريبة منه.

لطالما نادى لبنان بالعلاقات الجيدة مع باقي الدول، ما عدا اسرائيل كونها عدو لا شك في نواياه العدائية، وهو شهد محطات حاول فيها اظهار دور له في التقارب بين الدول. ويذكر الجميع هذا الهدف الطموح الذي اعلنه الرئيس السابق العماد ميشال سليمان حين اعرب عن الاستعداد لجعل الدول العربية اقرب الى بعضها بعد الخلافات التي عصفت بها. ولكن طموح سليمان في ذلك الوقت لم يكن ما يبرره، فالسعودية كانت في قمة نفوذها، وسوريا لم تكن تعاني من حرب طاحنة ونتائج كارثية، وحتى الرئيس اللبناني في ذلك الوقت كان مقبولاً من الجميع وأخذ طرفاً الا في الفترة الاخيرة من الولاية الرئاسية.

اليوم، لم يطرح الرئيس العماد ميشال عون مثل هذا الامر، ولكن البعض اراد، عن قصد او عن غير قصد، الباسه هذا الدور حين اعلن ان الزيارة الى السعودية قد يتم فيها طرح ان يكون لبنان وسيطاً لوصل ما انقطع بن الرياض وطهران. هذا الامر اذا كان مقصوداً، فهدفه تصغير نتائج الزيارة الى السعودية حتماً، وتطيير كل الآمال المعلقة عليها لتعود العلاقة بين لبنان والسعودية الى طبيعتها بعد التوتر الذي سادها. اما اذا كان الكلام غير مقصود، فإنه اتى مفتقراً الى الدقة والقراءة السياسية، وعلى من يروّج له عن نية طيبة، ان يعيد قراءاته وحساباته كي لا ترتد سلباً عليه وعلى مقام الرئاسة.

من البديهي الا يكون للبنان اي دور، في الوقت الراهن، في القيام بمهمة مصالحة بين السعودية و​ايران​ لاسباب عدة لا يمكن تعدادها كلها، ولكن يمكن ذكر ابرزها. ليس من الممكن للسعودية ان تقبل بأن يلعب لبنان مثل هذا الدور، فهي لطالما كانت لاعباً اساسياً على ساحته ولا تزال تتمتع بثقل معنوي لا يمكن نكرانه، وتعتبر نفسها بمثابة "راعية" له، فكيف لها ان تقبل بطرح كل هذه المعطيات جانباً وتقبّل فكرة ان يتحول لبنان الى وسيط يحمل افكارها وملاحظاتها الى دولة او دول اخرى؟ ووجهة النظر بالنسبة الى السعوديين ان هذا الامر هو بمثابة اهانة لهم.

وعلى غرار السعوديين، لن يقبل الايرانيون بان يلعب لبنان مثل هذا الدور. فإيران ايضاً لاعب اساسي على الساحة اللبنانية، وكانت مع السعودية مقصداً للعديد من الوسطاء اللبنانيين والاجانب لمساعدة لبنان على حل مشكلته السياسية، وكم من مرة تمت مناشدة السعودية وايران وغيرها من الدول لتقديم المساعدة في هذا المجال؟ وايران اليوم باتت لاعباً اقليمياً في منطقة الشرق الاوسط، تمسك بمفاتيح عدة، وتتهافت اليها الدول الاجنبية للوقوف عند رايها في احداث المنطقة، كما انها شكلت ضلعاً اساسياً في المحادثات الثلاثية مع روسيا وتركيا من اجل التوصل الى وقف اطلاق النار في سوريا، وبالتالي فمن الطبيعي ايضاً الا تقبل بأن يكون لبنان وسيطاً بينها وبين اي دولة اخرى.

ويبقى "الدب الروسي" الذي بسط نفوذه على المنطقة انطلاقاً من سوريا، ويُنتظر ان يوسّع هذا النفوذ بعد 20 من الشهر الحالي وهو موعد وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب الى البيت الابيض بشكل رسمي، ولن يسمح لاحد ان يقوم بأي امر دون موافقته وبعد ان يضمن مصالحه في اي خطوة سياسية ستتم. واذا كان لروسيا القدرة على احباط أي قرار دولي باستخدامها حق النقض، فهي لن تقف مكتوفة امام احباط اي محاولة غير منبثقة منها او بالتنسيق معها في ما يخص المنطقة ودولها.

لا دور للبنان في اي محاولة لاعادة الحرارة الى العلاقة ببين السعودية وايران، ولكن هذا لا يعني ان دوره غير مهمّ في المنطقة بشكل عام، وهو السبب نفسه الذي جعل دول العالم تستنفر لحمايته من التداعيات الامنية والعسكرية للحرب السورية.