لم يعرف ال​فلسطين​يون أن مطران قضيتهم هيلاريون كبوجي المنفي الى خارج فلسطين منذ عام 1978 هو سوري من حلب. كانوا يعتقدون أنه ابن بيت لحم، أو ينحدر من بلدة فلسطينية أخرى في الاراضي المحتلة. منذ حضوره الى القدس، مارس كبوجي سياسة وطنية فلسطينية طبعت عظاته وتصرفاته اليومية، ربما كانت وليدة إيمانه العروبي الذي لا يفصل كيانا عربيا عن آخر، او نتيجة التزامه المسيحي الذي ينتصر للإنسان أينما كان. لربما ايضاً كان تصرف كبوجي نابعاً من حقدٍ على محتل إسرائيلي اغتصب الارض، او كرهٍ لأحفاد من حاربوا المسيحيّة منذ نشأتها في بيت لحم. بجميع الأحوال كان المطران كبوجي حديث الفلسطينيين والعرب المسلمين والمسيحيين. مارس قناعته بالانحياز الى المقاومة الفلسطينية وهرّب لها السلاح، حتى جاء قرار تل ابيب بسجنه، فتوسطت الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان وفرضت خروجه بعد اربع سنوات من السجن الإسرائيلي.

لم يقف كبوجي على الحياد في شأن ​القضية الفلسطينية​ او الصراع مع ​اسرائيل​. بقي طيلة السنوات الماضية يُطلّ عند كل مناسبة ومحطة. كان وصل الى عمر التسعين عاما، حين استقل السفينة في عرض البحر لكسر الحصار عن غزه. لم يترك تظاهرة في الخارج الاّ وحيَّا فيها القضية الفلسطينية على طريقته. دأب في سنوات الأزمة السورية على مناصرة دمشق ضد الإرهاب. ظنّ كثيرون ان دفاع المطران كبوجي عن سوريا هو انحياز لنظام لا يستند الى واقعية. أتت الأيام تثبّت أن خيار المطران وطني وانساني. هو ترجم وظيفة الرهبان الاساسية بالوقوف الى جانب الحق. فبرهنت السنوات التي مضت ان دفاعه عن وطنه الأم سوريا هو التزام اخلاقي ضد ارهاب تمدّد مستهدفا البشر في كل مكان. كان المطران كبوجي على حق منذ دفاعه عن قضية العرب المسيحيين والمسلمين، انطلاقا من موقعها الأساسي الريادي، فأكد بذلك أنه علمٌ من اعلام تلك القضية وكبير فدائييها، بل هو قدّيس كل العرب يحمل صليبهم ويكرّس لفلسطين عظاته ويومياته حتى في زمن النفي. كان يمكن ان يكون آخر المدافعين العروبيين، لكن مطراناً شبيها به، يمضي الآن على طريقته، هو عطالله حنا، الأرثوذكسي العروبي و المشرقي. هو ذاك السوري القومي الاجتماعي، و الناصري والبعثي والشيوعي، والكياني الفلسطيني، والمسلم والمسيحي، هو جميع هؤلاء من دون ان ينتمي اليهم، لكنه يجمع أفضل ما فيهم في عباءة رجل دين من ارض المسيح. عطالله حنا بقي يصارع من اجل إنسانية أوصى بها السيد المسيح. لم ترهبه تهديدات تل ابيب. لم تقمع صوته وعظاته ممارسات الاحتلال. فقط منعته من ان يزور لبنان وسوريا خشية من ترجمة المحبة المتبادلة بينه وبين القوى المقاومة في دمشق وبيروت. هو داعم للسوريين ايضاً في حربهم ضد الإرهابيين.

رغم اختلافه المذهبي كأرثوذكسي عن كبوجي الكاثوليكي، لكنهما شبيهان يمارسان قناعة مسيحية صافية لم تعكرها مصالح ولا حسابات دنيوية.

رحل المطران كبوجي عن عمر 94 عاما، أمضى معظمها في النضال الإنساني على طريقته من يوم انتقاله الى القدس، الى يوم رحيله الأخير في روما. ليبقى المطران حنا متابعاً طريق المسيحية يحمل صليبها ويمضي دون خوف ولا تردد.

لقد رحل مطران العرب، وعلى الآخرين إكمال المسيرة. خصوصا ان زمن مواجهة الارهاب يحتاج الى كبوجيين دائمين يتخذون من السيد المسيح قدوة لا تقتصر على الكلام في العظات، بل حمل الصليب ومتابعة الرسالة. هذا ما يترجمه عطالله حنا.