بدأت الانظار تتجه الى الولايات المتحدة الاميركية، ليس فقط بسبب اقتراب موعد تولي الرئيس الاميركي المنتخب ​دونالد ترامب​ مهامه بشكل رسمي في 20 من الشهر الحالي، بل بسبب خطوة اقدم عليها ثلاثة من اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي ينتمون الى الحزب الجمهوري بتقديم مشروع لنقل السفارة الاميركية في تل ابيب الى القدس.

غنيّ عن القول ما هو مردود هذه الخطوة على الصعيد السياسي عموماً، وقضية ال​فلسطين​يين بشكل خاص، ولا يمكن توقّع ما قد يقدم عليه ترامب في هذا السياق، خصوصاً وانه اتبع كلامه في الحملة الانتخابية عن رغبته في تسريع هذه الخطوة، بالإعلان عن مرشحه الى منصب سفير لدى ​اسرائيل​ ديفيد فريدمان الذي اكد تطلعه الى "القيام بمهامه من السفارة الاميركية في القدس".

ليس من السهل اتخاذ قرار بهذا الحجم، وهذا ما أدركه الرؤساء السابقون الذين واجهوا مشروعاً من الكونغرس تم اقراره في العام 1995 من بيل كلينتون الى جورج بوش الابن الى باراك اوباما. وعلى الرغم من قرار الكونغرس، فإنه بامكان الرئيس تأجيل تنفيذ القرار لدواعي الامن القومي. ويرى الكثيرون ان ترامب لن يلجأ الى هذه الذريعة، لأنه إذا اعتمدها، فسيبدو وكأنه ناقض وعوده الانتخابية، وسيساهم بالتالي في جمع العديد من المعارضين الى معارضيه الأساسيين أي الديمقراطيين وبعض الجمهوريين الذين رأوا فيه صورة مغايرة لآمالهم. وفي حال لم يرغب ترامب في نقل السفارة، فعليه ايجاد ذريعة اخرى قد تكون اقتصادية ربما حيث يمكن ان تكون الحجّة بعدم وجود اموال كافية لنقل السفارة الى القدس. ويمكن اللجوء اليها لانها بالفعل منطقية، فإنشاء سفارة في القدس يتطلب أموالاً كبيرة إن لجهة الارض والبناء والأمن، مع اعتماد أموال طائلة للشقّ الاخير كونه الاكثر تحدياً.

اما في حال فعلها ترامب وضرب كل قرارات الرؤساء الذين سبقوه والمخاوف الامنية والسياسية عرض الحائط، فإنه سينتظر الكثير من العقبات منها ما هو سياسي اذ سيعتبر الفلسطينيون والعرب ان واشنطن تخلّت عن رعايتها لعمليّة السلام، وأخذت طرفاً مباشراً مع اسرائيل، ما سيعزز من نمو المتطرّفين ضدّها وامكان استهداف المصالح الاميركية في كل انحاء العالم. وهذا الامر من الصعب ضبطه، في عزّ الفورة الإرهابيّة التي تجتاح العالم أجمع، وسيصبح كل اميركي ومقر اميركي او تجارة اميركية عرضة للاستهداف الارهابي، كما يمكن ان تؤجج هذه الخطوة مشاعر العديد من العرب داخل اميركا بالذات. وفي هذه الحال، سينقلب الرأي العام الاميركي على ترامب وسيجد فيه سبباً لعدم الراحة والاطمئنان، فيما سيبني الديمقراطيون على هذا الشق لزعزعة ثقة كل من اقترع لهذا الرئيس، وسيعمدون الى استعادة السيطرة على الحياة السياسية وعرقلة العديد من الامور التي سيطرحها الرئيس الاميركي.

في المقابل، ستجد روسيا نفسها معنيّة بهذا القرار، خصوصاً وانها باتت اللاعب الرئيسي في الشرق الاوسط، وسيصبح الثقل السياسي عليها، لان هذه المنطقة تحديداً ستكون الاكثر اشتعالاً بفعل هذا القرار، وقد تتدخل من اجل محاولة ضبط الامور وربما الطلب الى ترامب ارجاء هذه الخطوة لما فيه مصلحة اميركا وروسيا معاً. وقد يصبح التواجد الروسي في الشرق الاوسط خطراً على موسكو، فيما ستحاول تهدئة خاطر اسرائيل التي تتمتع معها بعلاقات متينة وواضحة.

اما الدول العربيّة، فحكاية أخرى، ولا يمكن استبعاد موقف عالي الصوت منها فيما ستتجه الانظار الى لبنان كونه يحتضن حزب الله الذي قد يطالب بقطع العلاقات مع اميركا او على الاقل بتخفيضها. ولكن كل هذه السيناريوهات تصبح دون قيمة اذا ما تم احداث خرق ما على الخط العربي-الاسرائيلي وتم تطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية واسرائيل، فعندها ينقسم العرب في هذا المجال ويتسلّح الغربيون بهذا الانقسام للتشديد على ان خطوة الاعتراف بالقدس لاسرائيل هي خطوة صائبة، وانهم لن يكونوا "ملكيين اكثر من الملك".