لم تكن سنة 2016 الأفضل على صعيد العلاقات ال​لبنان​ية السعودية، التي يمكن القول أنّها تراجعت إلى أقصى حدّ، خصوصًا بعد قيام الرياض بتجميد العمل بالهبة التي كانت قد قدّمتها للجيش اللبناني، وحظرها على رعاياها السفر إلى لبنان، وصولاً إلى النأي بالنفس عن الشأن اللبناني، وحتى عن "ممثلها الشرعي" في لبنان، أي رئيس الحكومة ​سعد الحريري​.

وإذا كانت الخطوات السعودية فُسّرت سياسيًا باعتبارها ردًا على التصعيد غير المسبوق الذي مورس ضدّها من قبل بعض الأفرقاء اللبنانيين، ولا سيما حزب الله الذي بات شعار "الموت لآل سعود" مرافقاً لمختلف احتفالاته ومهرجاناته، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه يبقى عمّا إذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سينجح في فتح صفحة جديدة على صعيد العلاقات الثنائية، تمهيدًا لاستعادة المملكة لدورها السابق في لبنان.

مؤشرات إيجابية...

بدايةً، لا شكّ أنّ مؤشراتٍ إيجابية كثيرة رُصِدت في الآونة الأخيرة على صعيد العلاقات اللبنانية السعودية، وخصوصًا مع إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وانتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، بعد "مبادرةٍ" تقدّم بها من يوصَف بأنّه "رجل السعودية في لبنان"، أي رئيس الحكومة سعد الحريري الذي حصد "مكافأته"، بالعودة إلى السراي الحكومي.

وعلى الرغم من أنّ الرئيس عون كان "مرشح حزب الله" لرئاسة الجمهورية منذ ما قبل الشغور الرئاسي وحتى اليوم الأخير، فإنّ السعودية لم تكن ممانعة للتوافق على انتخابه رئيسًا لعدّة أسباب واعتبارات، على رأسها ربما ما أثير مرارًا وتكرارًا عن "رهان" لديها ولدى حلفائها لشقّ الصف بينه وبين الحزب، ولكن من بينها أيضًا تمهيد الطريق للحريري للتعويض عمّا فاته، خصوصًا بعدما أقنعها بأنّ انتخاب عون قد يشكّل الفرصة الأخيرة لمنع انهيار الدولة والمؤسسات في لبنان، بعدما اصطدمت كلّ مبادراته الأخرى بـ"الفيتو العوني".

وإذا كان الكثيرون يتحدّثون عن "فترة سماح" أعطتها السعودية للرئيس عون وللعهد الجديد قبل إصدار "حكمها المُبرَم"، فإنّ هناك "تفاؤلاً كبيرًا" بدأ يسود الأوساط السياسية بإمكان ترميم العلاقات بالحدّ الأدنى، انطلاقاً من عدّة مؤشّرات يمكن توصيفها بالإيجابية، لعلّ أولها وأهمّها حرص رئيس الجمهورية على وضع زيارة السعودية في "أولوية أولوياته"، بدليل تصدّرها جدول زياراته الخارجية، على أن تُستتبَع بزيارةٍ لقطر، في مقابل تأجيله البحث بزيارة سوريا وإيران إلى مرحلةٍ لاحقة، الأمر الذي أثار بعض السخط حتى لدى "حلفائه المفترضين".

وإلى هذه "الإيجابية" التي يرتبط بها أيضًا حرص الرئيس عون على إطلاق المواقف الإيجابية إزاء المملكة، فضلاً عمّا ورد في خطاب القسم الذي أطلقه بعيد انتخابه رئيسًا، وخصوصًا لجهة حرصه على اتفاق الطائف وتطبيقه تطبيقاً كاملاً، بعدما كان حلفاء السعودية يخشون أن يذهب إلى حدّ نسف الاتفاق عن بكرة أبيه، تُضاف إيجابيات أخرى، من بينها "شهر العسل" القائم بين رئيسي الجمهورية والحكومة، اللذين يبدوان حتى اللحظة على خط واحد، رغم التباينات السياسية بينهما، فضلاً عن العلاقة المميّزة التي تربطه برئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، المقرّب أيضًا من السعودية.

... وعقبات

وإذا كان حرص أبرز حلفاء السعودية في لبنان، أي الحريري وجعجع، على إنجاح العهد الجديد، وهما اللذان يعتبران نفسيهما أهمّ "عرّابيه"، من شأنه أن يدفع المملكة إلى إعادة النظر بمواقفها السابقة من الدولة في لبنان، فإنّ ما لا شكّ فيه أنّ هذا الأمر لا يزال يصطدم بالعديد من العقبات، التي يُتوقَّع أن يسعى رئيس الجمهورية إلى "تبديدها" في الآتي من الأيام.

ولعلّ حقيقة أنّ العلاقات السعودية الإيرانية تبدو اليوم في أسوأ أحوالها تتصدّر لائحة هذه العقبات، بفعل الرؤى المتباعدة بل المتناقضة بين الجانبين في مقاربة معظم، أو حتى كلّ قضايا المنطقة من دون استثناء، بدءاً من الحرب السوريّة التي يذهب البعض لحدّ القول أنّها قائمة بشكلٍ غير مباشر بين السعودية وإيران على الأرض السورية، تمامًا كحرب اليمن التي لا يشكّ اثنان في أنّها كرّست التباعد وتسبّبت بما يشبه القطيعة الكاملة، لحدّ ذهاب الإيرانيين لتشبيه السعوديين بالإسرائيليين في ممارساتهم في اليمن، في مقابل اتهام المملكة لإيران بدعم ما تصفها بالميليشيات المتمرّدة على الشرعية، وما إلى ذلك.

وإذا كان بعض المراقبين توقّعوا أن يلعب الرئيس عون دورًا "وسيطاً" في مكانٍ ما بين الجانبين، انطلاقاً من الخطاب "المتوازن" الذي سعى لتجسيده منذ وصوله إلى قصر بعبدا، فإنّ مثل هذا الأمر قد يكون صعب المنال، ليس فقط باعتبار أنّ الأفق الذي يسير به الرجل يبقى "ضيّقاً"، هو الذي كان حتى الأمس القريب محسوبًا على محورٍ دون آخر، ولكن لأنّ الصراع بين السعودية وإيران تخطى المحظور، وبات أكبر من قدرات لبنان ونواياه التوفيقية.

وعلى الرغم من أنّ بعض التراجع في حدّة انتقادات حزب الله للسعودية رُصِد في الأيام الأخيرة، بدليل عدم اعتراضه على زيارة الرئيس المرتقبة للمملكة، فإنّ استمرار انعكاس الصراع السعودي-الإيراني على مواقف الحزب الداخلية قد يكون من العقبات التي يمكن الحديث عنها، خصوصًا أنّ "حزب الله" يُفهِم القاصي والداني أنّه مستعدٌ لتسهيل انطلاقة العهد الجديد بكلّ ما أوتي من قوّة، ولتقديم كلّ ما يلزم من أجل ذلك، ولكنّه ليس مستعداً أبداً للتخلي عن أيّ من مواقفه المبدئية، خصوصًا عندما تتعلّق بالثوابت، وهو ما كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله كرّره أكثر من مرّة.

هل ينجح؟

في النهاية، ينتظر كثيرون أن ينجح الرئيس عون، من خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، بـ"انتزاع" سلسلة "مكاسب" من بينها إفراج المملكة عن الهبة المجمَّدة للجيش اللبناني، ووقف العمل بحظر السفر إلى بلدٍ لطالما ساهمت في سياحته.

وإذا كانت مثل هذه الخطوات تنسجم مع "فترة السماح" الممنوحة سعوديًا لعون في المبدأ، فإنّ المطلوب من الرجل لا يفترض أن يصل لحدّ "قمع" الأفرقاء اللبنانيين المعارضين للمملكة، وإن كان "يمون" عليهم...