على هامش التحضيرات التي تسبق عقد مباحثات آستانة، تتبادل كل من تركيا وإيران الإتهامات بالسعي إلى العرقلة، في مؤشر إلى الصراع بين الجانبين على الساحة السورية، بالرغم من سعي الحكومة الروسية إلى إنجاح هذه المباحثات، التي تعقد بعيداً عن الدور الأميركي، بأي ثمن، بعد أن كانت قد استفادت من التقارب مع أنقرة في الفترة الأخيرة، التي تفصل بين موعد الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وتسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة.

على هذا الصعيد، يبدو أن التركيز سيكون، من جانب الحكومة التركية، على دور "حزب الله"، حيث يتعمد وزير الخارجية مولود جاوويش أوغلو الدعوة إلى إخراج الحزب من سوريا، في كل تصريح له، مكرراً الإتهامات تجاه الحزب، إلى جانب "المليشيات العراقية"، بارتكاب عدد من الخروقات التي قد تهدد مصير المباحثات في حال لم تتوقف. في المقابل ترفض الحكومة الإيرانية هذا الأمر، وتؤكد أن "وجود المستشارين الإيرانيين والمقاومة اللبنانية في سوريا يتم بالتنسيق مع الحكومة السورية وبطلب منها"، وتؤكد أن جبهة "النصرة" تتحضّر بإيعاز تركي لتنفيذ عدة هجمات في سعي منها لتقويض اتفاق الهدنة.

في هذا السياق، توضح مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أن الحكومة التركية تسعى في الوقت الراهن إلى تحسين شروط التفاوض، وهي تدرك الدور الذي تقوم به إيران و"حزب الله" على مستوى دعم الدولة السوريّة، وترغب بأن تفرض شروطها على طاولة المباحثات، مستفيدة من تعاونها مع موسكو، وتضيف: "إلى جانب الرغبة بالسيْطرة على مدينة الباب، تراهن أنقرة على إقناع الجانب الروسي بامكانية إبعاد الرئيس السوري بشار الأسد عن المرحلة الإنتقالية، لا سيما بعد أن وضعت هذا الهدف على رأس قائمة أولوياتها منذ بداية الأزمة".

وتلفت هذه المصادر إلى أن الإصرار على توجيه الإتهامات إلى "حزب الله" يعود إلى رغبة الجانب التركي في المقايضة بين الحزب وجبهة "النصرة"، في حال اضطر إلى مثل هذا الخيار في المستقبل، مع العلم أنه لا يزال يقدّم مختلف أنواع الدعم إلى الجبهة رغم تصنيفها منظمة إرهابية، وتؤكد بأن التعاون بين الجانبين لم يتوقف في أي يوم بل على العكس من ذلك هو مستمر، والرهان الروسي على وقف هذا الدعم عن طريق إغلاق الحدود والضغط على فصائل المعارضة المسلحة للإبتعاد عن الجبهة.

في الجانب المقابل، تشير المصادر إلى أن طهران تعتبر أن أنقرة ليست جادة بالمساعدة في حل الأزمة السورية، بل على العكس من ذلك دورها السلبي معروف منذ بداية الأحداث، وترى أن تركيا لا تستطيع الخروج من تحالفها مع الولايات المتحدة وبعض الدول العربيّة، لكنها اليوم تريد اللعب على التوازنات، لا سيما بعد أن أظهرت موسكو أنها بحاجة لها في الميدان السوري، بالرغم من أن أنقرة كانت في طريقها إلى خسارة أغلب أوراقها، وتضيف: "تركيا تدفع اليوم الثمن من أمنها وإقتصادها، وبالتالي لم يكن من الضروري منح أوراق قوّة عبر التفاوض معها، خصوصاً أن الثقة برئيسها رجب طيب أردوغان مفقودة".

من وجهة نظر هذه المصادر، الجانب التركي اليوم يسعى إلى الإبتزاز بانتظار وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى السلطة، وبعد ذلك سيقرر ماذا سيفعل على مستوى الأزمة السوريّة، سواء بالنسبة إلى الإستمرار بالإنفتاح على اللاعب الروسي أو العودة إلى المسار السابق، وتشير إلى أن أنقرة عضو بارز في حلف شمال الأطلسي وهي لا يمكن أن تخرج من هذا الحلف بكل سهولة، لكن لديها في الوقت الراهن هامش من المراوغة، وتضيف: "لا يمكن أن تدعو أي جهة دخلت سوريا بناء على طلب حكومتها بالخروج، في حين هي دخلت من دون إذن أحد تحت عنوان محاربة الإرهاب لإستعادة أمجاد السلطان العثمانية".

في المحصلة، لم تنجح الإتصالات التي تقوم بها موسكو في التخفيف من حدة التوتر بين طهران وأنقرة، لا بل الجانبين هما على الأرجح في طور التصعيد أكثر في المرحلة المقبلة، فهل تسقط محادثات الآستانة قبل أن تنطلق؟