احد كان ليتوقع قبل اشهر قليلة ان تعود السعودية الى لبنان بنشاط بارز عبر البوابة التي اقفلتها لسنوات، واسمها ميشال عون. ليس الهدف العودة الى الوراء، ولكن محاولة توقع ما سيحمله المستقبل للعلاقة السعودية-اللبنانية، بعد ان دخلت المملكة في الشأن اللبناني من بوابة الحل (انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة...). كانت السعودية قبل اشهر قليلة فقط على عتبة خسارة دورها في لبنان، وكانت على وشك خسارة العلاقة المتينة التي كانت تربطها بآل الحريري عبر خفت الاضواء على وريث العائلة رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري، ولكن فجأة عادت الامور الى طبيعتها.

من المؤكد ان زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الرياض اعتبرها البعض اساسية بالنسبة الى لبنان واللبنانيين، وهي بالفعل تشكل متنفساً للبنانيين في المملكة بعد ان كانوا مهددين فيها وفي دول الخليج بشكل عام بخسارة اعمالهم ومكانتهم بسبب التوتر السياسي الذي حصل. ولكن بالمبدأ فإن السعودية تكسب ايضاً من هذه الخطوة، ولعل المكسب الاهم يكون في استعادة دورها في لبنان وتأسيس علاقة مع الرئيس الجديد الذي يحظى باجماع حول شخصه حالياً، اضافة الى كونه من غير الطائفة التي ترعاها اي الطائفة السنّية، كما انه على علاقة وطيدة مع الطائفة الشيعية.

ولكن، كل هذه المعطيات تبقى ناقصة ما لم تقترن بالعودة الى القاعدة الاساس. من هنا، يمكن تفهم كل ما يدور من حديث عن عودة الهبة للجيش اللبناني التي كان تم سحبها، والتي، للمصادفة ايضاً، كان حديث ايراني عن بقاء المبادرة الايرانية بتسليح الجيش على حالها لجهة الاستعداد لتلبية طلبات المؤسسة العسكرية اللبنانية في هذا المجال.

ومن المرجح ان تحمل المحادثات التي سيجريها عون في السعودية، توجهاً ايجابياً في هذا المجال، ليس فقط لان الامر يعود بالفائدة على السعودية والجيش اللبناني وعون تحديداً الذي سيظهر للجميع انه لا يزال يحمل الجيش معه في كل وقت، بل لان الجيش هو نقطة التقاء الاضداد في لبنان وقد ثبت ذلك عبر محطات واحداث عديدة، ودعم الجيش سيزيد من تقرب السعودية للبنان الشعبي وليس الرسمي فقط.

ولا شك ان التطورات المتسارعة في المنطقة ساعدت على تهيئة هذا المناخ، فتوسع النفوذ الروسي في المنطقة وانتخاب دونالد ترامب في اميركا رئيساً، ساعدا على التخوف مما ينتظر المنطقة، ومن امكان ان يتم رفع الفيتو الاميركي والغربي على تقديم ايران اسلحة الى الجيش، وبالتالي تعزيز نفوذها في هذا البلد عن طريق مختلف عن حزب الله، وهو طريق المؤسسات الرسمية واهمها المؤسسة العسكرية.

ما الذي سيتغير فعلياً بعد الزيارة التي يبدأها عون اليوم الى السعودية؟ من الطبيعي ان تكون النتائج مشجّعة على صعيد انتفاء حال التوتر مع الخليج، لان الدول الخليجية تعاطفت مع المملكة ورفعت بالتالي درجة التوتر مع لبنان، انما فعلياً لم يكن لهذه الدول مشكلة مع هذا البلد، ولكن لا يمكنها الخروج عن العباءة الخليجية التي توفرها السعودية كونها "الشقيقة الكبرى". وبالتالي ستعود العلاقات الخليجية-اللبنانية الى طبيعتها وما سيرافقها لجهة السياح والاستثمار... والاهم الهبة العسكرية، مع فارق اساسي وهو ان هذا الامر لن يمنع ابقاء العلاقات مع ايران على حالها، وتكاد تكون المرة الاولى التي لا يجد لبنان نفسه مجبراً على الاختيار بين خطّين، حيث يمكنه ان يبقى على علاقة طيبة مع الرياض وطهران في الوقت نفسه.

ومن المهم الاشارة الى ان التقارب الاميركي-الروسي الذي يتوقع ان يبدأ فعلياً بعد العشرين من هذا الشهر وهو تاريخ تسلم ترامب مهامه الرسمية، ارخى بمفاعيله على الوضع الاقليمي والدولي برمته، وخلط اموراً كثيرة، وباتت دول عدة تدرس خياراتها وتعيد النظر بمواقفها كي تبقى على متن القطار الدولي. ولعل دولاب الحظ توقف هذه المرة عند لبنان، ولن نغرق في التفاؤل ونقول ان الامور ستحل دون مشاكل، ولكن من غير المنصف القول انها لن تسلك مسار الحل الذي قد يطول ويقصر وفق التقدم الدولي والرغبة في انهاء الامور بسرعة في منطقة الشرق الاوسط.