منذ أن أعلن حزب "القوات اللبنانيّة" دعمه للعماد ميشال عون لمنصب رئاسة الجُمهوريّة، ودُخوله الحُكومة الجديدة، يتعرّض لحملة سياسيّة وإعلاميّة من خُصومه المُعتادين ومن حلفائه المُفترضين بأنّه خان مبادئ قوى "14 آذار"، فهل هذا صحيح؟

أوّلاً: بالنسبة إلى ترشيح العماد عون للرئاسة فهو جاء بعدما تبيّن أنّ دعم ترشيح قوى "14 آذار" لرئيس حزب "القوّات" سمير جعجع للرئاسة كان صُوريًا، في ظلّ مُحاولات عدّة من مجموعات وأحزاب رئيسة في هذه القوى للتسويق لمُرشّحين آخرين، على غرار رئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجية والوزير السابق جان عبيد، وغيرهما. كما أنّ هذا الترشيح جاء ليُثبّت عُرفًا يقول إنّه ممنوع إنتخاب رئيس للجُمهوريّة من خارج مبدأ "المسيحي القوي" شعبيًا وسياسيًا بشكل فعلي وجدّي. وترشيح "القوّات" للعماد عون جاء أيضًا وفق إتفاق شامل على مبادئ سياسيّة ووطنيّة واضحة ومُعلنة، تُشكّل تقاطع طرق بين "الجنرال" و"الحكيم"، خاصة وأنّ "القوّات" ترغب أكثر من أيّ وقت مضى بأنّ تقف على آراء وعلى هواجس الشريحة المسيحيّة الواسعة المُؤيدّة للعماد عون. أكثر من ذلك، إنّ ترشيح "القوّات" للعماد عون جاء ليطوي صفحة طويلة من الخلافات التي أرهقت "المُجتمع المسيحي" وأضعفته، والتي سمحت للعديد من القوى السياسيّة الأخرى في لبنان باللعب على وتر هذه الخلافات لزيادة الشرخ ولاستغلاله لصالحها.

ثانيًا: بالنسبة إلى دُخول "القُوات" الحُكومة التي قيل إنّ الأغلبيّة فيها لم تعد لصالح قوى "14 آذار"، فإنّ تجارب العقد الأخير أثبتت أنّ وزيرًا أو وزيرين بالزائد أو بالناقص لصالح هذا الفريق أو ذاك، لا يُغيّر حرفًا في المُعادلة اللبنانيّة القائمة على توافق طائفي وسياسي دقيق جدًا. والأمثلة عديدة في هذا المجال، ومنها حُكومة رئيس "كتلة المُستقبل" فؤاد السنيورة الأولى التي شُكّلت في تموز 2005، والتي كان كافيًا إستقالة الوزراء الشيعة منها في تشرين الثاني 2006، لشلّ عملها بحجّة أنّها غير شرعيّة ولا ميثاقيّة. وفي حكومة رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي الثانية التي شُكّلت في حزيران 2011، كان حُضور قوى "8 آذار" حاسمًا مع بعض "الوسطيّين"، وهي فشلت في الحُكم فشلاً ذريعًا. وحتى بالنسبة إلى الحُكومة الحالية، فإنّ الفارق لصالح قوى "8 آذار" على قوى "14 آذار"، هو على مُستوى الوزراء المحسوبين على رئيس الجُمهورية، علمًا أنّ الحديث عن تموضع بين "8 و14" آذار صار من الماضي. و"القوّات" تُريد تحويل عرف منح الرئيس مجموعة من الوزراء إلى مُعادلة ثابتة، بغضّ النظر عن هويّة هذا الرئيس، بهدف تقوية موقع رأس السلطة المسيحي. كما أنّ الرئيس عون يحكم حاليًا من موقع وسطي ووطني، والحديث عن تنفيذه سياسة إيرانية أو سورية في لبنان، فيها تجنٍّ على "التيّار الوطني الحُرّ" قبل أن يكون فيها تجنٍّ على "القوات اللبنانيّة"، حيث أنّه منذ العام 2005 حتى اليوم، يرفض "العَونيّون" تصنيفهم في أيّ محور إقليمي ودَولي، ويؤكّدون أنّهم الصوت اللبناني الوطني والسيادي والإستقلالي الصحيح.

ثالثًا: بالنسبة إلى التحالف الإنتخابي مع "التيار الوطني الحُرّ"، والذي بدأ مع الإنتخابات البلديّة السابقة والمُرشّح للإستمرار إلى أبعد من الإنتخابات النيابية المُقبلة، فهو جاء بدوره ليُعيد الحُضور المسيحي إلى السلطة التشريعية، ومنها إلى مختلف مفاصل الدَولة، عبر القدرات الذاتية للمسيحيّين وليس من خلال مِنّة من هذا الفريق الشيعي أو السنُي أو الدرزي! كما أنّ "القوّات" سَئمَت إستغلال العديد من الأحزاب والقوى والشخصيّات السياسيّة المُفترض أن تكون "حليفة"، لأصوات مُحازبيها ومُناصريها الكُثر، من دون منحها أيّ مقعد، أو في أحسن الأحوال، مع منحها أحد المقاعد وعدم التصويت لمُرشّحها! وتجربة إنتخابات العامين 2005 و2009 خير دليل على ذلك، حيث جرى حرمان "القوّات" من المقاعد النيابية في دوائر عدّة، منها عكار وعاليه وبيروت الأولى والمتن الشمالي وغيرها، إمّا عبر رفض تبنّي أيّ مُرشّح من قبل "القوات" أو عبر عدم التصويت لصالح مرشحيها من تحت الطاولة، الأمر الذي سمح بانتفاخ قوى حزبيّة ومناطقية بشكل مبالغ فيه، على حساب ضياع أصوات مُؤيّدي "القوات". أكثر من ذلك، إنّ الحالف "العَوني-القوّاتي" ليس على حساب أي مبدأ سياسي، إنّما يهدف إلى تشكيل ثقل حزبي مسيحي في البرلمان اللبناني، لإعادة المسيحيّين إلى السُلطة، وللوقوف من الندّ للندّ بوجه الكتل الطائفيّة والسياسيّة الأخرى.

رابعًا: بالنسبة إلى تخفيف "القوّات" لهجتها إزاء "حزب الله"، فإنّه يوم كان رئيس "القوات" يعقد المؤتمر الإعلامي تلو الآخر لتفنيد خُطابات أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصر الله وللردّ على مضمونها، كان من يتهمه اليوم بتخفيف هذه اللهجة يعقد التسويات مع "الحزب" لحفظ مصالحه، وكان التهجّم قاسيًا على "القوات" بأنّها لا تُساهم في تهدئة الأجواء السياسيّة في لبنان! واليوم، ما يحصل هو تخفيف مُتبادل للتهجّمات السياسيّة بين "القوات" و"الحزب"، في مُحاولة من الطرفين لانجاح العهد الرئاسي الجديد، نُزولاً عند طلب من الحليف المُشترك، أي من "التيار الوطني الحُرّ". والأكيد أنّ هذا الأمر ليس على حساب المبادئ، حيث أنّ تمسّك "القوات" بهذه المبادئ بالتحديد، لا يزال يجعل "الحزب" غير راغب في الجلوس على طاولة واحدة معها، حتى لمحاولة التوصّل إلى تسوية "فض نزاع" بين الطرفين، بالمعنى السياسي للكلمة بطبيعة الحال.

في الخلاصة، لا شك أنّ الكثير من "الحُلفاء المُفترضين" لحزب "القوّات" يتهجّمون عليها اليوم، بسبب قلقهم من فقدان وُجودهم السياسي ككل، في حال نجح تحالف "العَونيّين-القوات" من الفوز في أغلبيّة الدوائر حيث أغلبيّة الأصوات مسيحيّة خلال الإنتخابات النيابيّة المُقبلة. ولعلّ الإثبات الأكبر والأوضح أنّ "القوات" لم تحد قيد أنملة عن مبادئها المعروفة، يتمثّل في إستمرار الحملات الإعلاميّة المُركّزة عليها من قبل الأحزاب والقوى السياسية والجهات الإعلاميّة المحسوبة على نظام حزب البعث السوري، أبّا عن جدّ.