كما جرت العادة في لبنان لا ينطلق قطار البحث عن قانون جديد للإنتخاب إلا تحت ضغط المهل الدستورية، التي تدفع بالسياسيين المتخاصمين الى أحضان بعضهم البعض للبحث والتشاور عن الصيغة الأنسب التي تؤمن صحة تمثيلهم بالنسبة الى أكثريتهم، لا صحة التمثيل.

هكذا هو المشهد اليوم، إتصالات ولقاءات وحوارات وصيغ بين كل الأفرقاء المؤثرين عبر كتلهم داخل مجلس النواب، بحثاً عن القانون العتيد الذي يقال إن عملية اقراره قد تكون أصعب بكثير من إنتخاب رئيس الجمهورية، نظراً لما تتطلبه من تدوير للزوايا ومراعاة للتوازنات الطائفية والمذهبية القائمة.

على طاولات البحث المفتوحة، ثلاثة إقتراحات وفكرة. إقتراح رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي ينص على إنتخاب النواب على مرحلتين، أولى يتأهل فيها المرشحون بناء على إقتراع طائفي أكثري في الأقضية ( كل طائفة تختار مرشّحيها، المسيحيّون يصوتون للمسيحيين والمسلمون يؤهّلون الملسمين)، وثانية يفوز النواب فيها بإقتراع نسبي في المحافظات، يشارك فيه ناخبو كل الطوائف. وبحسب المعلومات يعتبر إقتراح بري المذكور من الإقتراحات الأوفر حظاً إذ يحظى بتبنّي "التيار الوطني الحر" و"​القوات اللبنانية​"، وبطبيعة الحال يقبل به ثنائي "حزب الله"– حركة "أمل"، بينما هو قيد الدرس بالنسبة الى "تيار المستقبل"، ومرفوض من قبل "الحزب التقدمي الإشتراكي". الإقتراح الثاني من حيث تراتبية الحظوظ، هو إقتراح القانون المختلط المقدم من النائب علي بزي والمعروف بإقتراح بري، الذي ينتخب فيه أربعة وستون نائباً على أساس النظام النسبي في المحافظات، وأربعة وستون على أساس الأكثري في الأقضية. وعن هذا الإقتراح يقول المطّلعون، إن المناقشات الدائرة حوله هي لإجراء تعديلات جذريّة عليه، خصوصاً في ظلّ الملاحظات الكثيرة التي أثارها ثنائي التيار والقوات حياله. أما بالنسبة لحظوظه، فهو مقبول شيعياً من "حزب الله" وحركة "أمل"، مقبول سنياً بعد تعديله من "تيار المستقبل"، ومقبول مسيحياً من قبل التيار والقوات بعد تعديله جذرياً. أما درزياً فمرفوض كما كل القوانين التي تتضمن إقتراعاً نسبياً. أما الإقتراح الثالث المطروح فهو القانون المختلط المقدم من "القوات" و"المستقبل" و"الإشتراكي"، والذي يوزع النواب بين 68 نائباً على الإقتراع الأكثري و60 على الإقتراع النسبي. إقتراح تبقى حظوظ إعتماده ضعيفة جداً لأسباب عدة، أولها لأنه مرفوض من قبل الثنائية الشيعيّة، وثانياً لأنه مرفوض من "التيار الوطني الحر"، وثالثاً لأن "القوات" لم تعد متحمسة كثيراً له كونها قدمته في زمن سبق تفاهم معراب مع "الوطني الحر"، ورابعاً لأن النائب وليد جنبلاط لم يعد يقبل به، خصوصاً أن تبنّيه له في مرحلة سابقة جاء لمواجهة الإقتراح الأرثوذوكسي، الذي عبر وحيداً يومها من اللجان النيابية الى الهيئة العامة.

أضف الى هذه الإقتراحات المتدوالة على طاولات البحث السياسي، تضاف تلك التي طرحها وزير الخارجيّة جبران باسيل، على قاعدة one person multiple votes، وهي لا تزال مجرد فكرة بكل ما للكلمة من معنى على رغم أنها تحظى بتأييد سياسي لدى أكثر من فريق، ولكن يبدو أنها لم تتبلور بعد من حيث الصيغة والتفاصيل كي يتخذ كل فريق قراره حيالها.

إذاً، مشاورات قانون الإنتخاب الجديد تسير، وهي خرجت من ذهنية السير كالسلحفاة، فهل تحمل معها مفاجأة ثالثة تضاف الى إنتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة؟ ومن سيكلف مهمة شرب كأس الإعلان عن التمديد التقني الذي سيفرضه القانون الجديد؟