لن يكون رئيس الجمهورية العماد ميشال عون غريباً عن اجواء قطر التي يزورها اليوم بعد ان اختتم زيارته الى السعودية. صحيح ان السعودية هي "بوابة الخليج ومفتاحه"ـ ولكن الدوحة لعبت دور "الطائف الثاني" بالنسبة الى لبنان وحاولت ان تتقاسم الملف اللبناني مع السعودية، لكن الاخيرة انتفضت واعادت قطر الى خارج الباب اللبناني. ولكن القطريين حاولوا دون جدوى تثبيت ارجلهم في لبنان لعلمهم انه "بوابة الحدث السياسي الاقليمي ومفتاحه" نظراً الى موقعه الجغرافي والى تركيبته وما يحمله من مقوّمات سياسيّة تصلح لكل من يدخل على خطّه أنْ يتحول الى لاعب مهم في المنطقة.

عودة عون الى الدوحة، وتحديداً الى فندق الشيراتون ليست الاولى، ولكن الفارق ان نزوله فيه عام 2008 كان لانهاء الأزمة اللبنانية، والاتفاق على سلسلة خطوات كان اولها انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. اما اليوم، فيدخل وهو رئيس للجمهورية. لم تكن قطر من الدول التي وضعت "فيتو" على اسم العماد عون للرئاسة، ولكنها كانت حتماً من الدول التي لم تسع الى الخروج عن الصف الخليجي، ولا شك ان عهد الامير الحالي لقطر ​تميم بن حمد​ آل ثاني يختلف عن عهد والده، فهو بات ينشد الاستقلالية السياسية بحماس وأدى به الامر الى "تأنيبه" من قبل السعودية وحتى التهديد بعزله خليجياً.

علاقة عون-تميم لن تكون كما كانت عليه علاقته بالامير الوالد، ولكنها تبقى محطّة مهمّة على طريق عودة لبنان الى الخليج، وما يحمله الرئيس اللبناني من ملفات الى قطر لن تكون أهمّ من تلك التي حملها الى السعودية، ولكن ميزة الوساطة القطريّة في قضية العسكريين المخطوفين تعطيها نكهة لا بد منها في سبيل الوصول الى النهاية المرجوّة في هذا الملفّ.

لن تؤثر هذه الزيارة حتماً على أي تغيير في الدور القطري في لبنان، كما انها لن تزيد من حضور لبنان في قطر او انها ستساعد على استيعاب اللبنانيين من الطائفة الشيعيّة فيه، لكنها قد تحسن وضع اللبنانيين المسيحيين فيه بعد اللقاء المرتقب بين عون والامير تميم. ومن الواضح ان البرنامج المختصر للزيارة (تستمر يوماً واحداً فقط) يساهم في ابراز انها زيارة الضرورة فقط لا غير، كما أنّ غياب الاتفاقات عن الزيارة اللبنانية الى الخليج (السعودية وقطر) من شأنه ان يساعد على فهم المغزى الاساسي منها، فهي ليست "نكاية ب​ايران​" ولا تعتمد الانفصال عن المحور الثاني في المنطقة، بل الابقاء على خيارات لبنان مفتوحة واعادة الاعتبار الى دول الخليج لما فيه مصلحة كبيرة للطائفة السنّية في لبنان التي وجدت نفسها في الفترة الاخيرة في موقع لم تعتده من قبل. وفي كل الحالات، لم تعد قطر اليوم كما كانت عليه عام 2008، وبالتالي فإن الزيارة هي من باب اعادة الاعتبار اليها معنوياً، لان دورها السياسي لا يزال محصوراً، فهي غير قادرة على الخروج من العباءة السعودية من جهة، كما ان دورها الاقليمي والدولي ليس في افضل حالاته ولو انها لا تزال تستقبل اكبر قاعدة اميركية في الخليج.

ومهما قيل، فإن زيارة عون الى قطر تختلف اليوم عما كانت عليه من قبل، وعن الزيارات التي قام بها الرؤساء السابقون حيث كانت الاوضاع في لبنان جاذباً لادوار عديدة لكثير من الدول وفي مقدمها دول الخليج، وكانت قطر من السبّاقين للاضطلاع في دور اساسي في لبنان، وهذا ما حدا بالامير السابق حمد بن خليفة الى تقديم الاموال لاعادة اعمار لبنان بعد الحرب التي شنتها اسرائيل عليه عام 2006، ولعب دورا سياسيا مع السعودية والغرب في سبيل الوصول الى ​اتفاق الدوحة​. اما اليوم، فلبنان بات اكثر حضوراً على الساحة بفعل التطورات الاخيرة التي اوجبت ابقاءه تحت المظلة الامنيّة ونهوضه سياسياً، ولا يبدو في الافق القريب أيّ دور يمكن ان تعلبه قطر في المنطقة، في انتظار ما ستؤول اليه الاوضاع وظهور الصورة النهائية.