في 20 كانون الثاني الجاري، يتولى الرئيس الأميركي المنتخب ​دونالد ترامب​ مهامه الرئاسية. هل يستمر في سياسته المعلنة لجهة التعاون مع روسيا واعتبار ان عدوه في سوريا هي "داعش" لا الرئيس ​بشار الأسد​، أم يتغير حين يصبح في البيت الأبيض تحت ضغوط اللوبيات العسكرية والاقتصادية واليهودية وغيرها؟

بمعنى آخر هل يصبح ترامب فرصة للتقارب الدولي بين موسكو وواشنطن وتنتهي الحرب في سوريا، أم يتحول الى فخ قد يكون الأصعب والأقسى على المستوى العالمي فتتواصل الحرب الى ما لا يعلم غير الله متى تنتهي؟

في تغريدته الأخيرة على تويتر، قال الرئيس المنتخب: "فقط الأغبياء والحمقى هم من يعارضون إقامة علاقة جيدة مع روسيا"، لعله كان يؤكد على الخط البياني لعلاقته المقبلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خصوصا بعد الود الكبير بينهما الذي ظهر خلال وبعد الانتخابات، ووصل الى حد ان الحزب الديمقراطي يتهم بوتين بالتدخل في الانتخابات لصالح ترامب عبر اختراق أجهزة الكومبيوتر. أو لعله ينتقد بشدة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما الذي بقي حتى الأيام القليلة الماضية يؤكد ان روسيا هي خصم وان من الخطأ الذهاب أكثر باتجاهها.

ستكون سوريا لا شك احد أبرز مؤشّرات التقارب أو التنافر بين ترامب وبوتين، وهنا بالضبط يكمن الفخ الكبير. وهذه هي الأسباب:

*صحيح أن ترامب قال أن اولويته في سوريا هي محاربة "داعش" والإرهاب وليس الرئيس بشار الأسد، وانه لا يريد الدخول بحرب مع روسيا وايران لدعمهما الأسد، لكن الصحيح أيضا انه يعتبر ايران خصما، وجاهر غير مرة بعزمه على تمزيق الاتفاق النووي او تعديله (رغم صعوبة ذلك لكون الاتفاق مرّ في مجلس الأمن). هذا يعني أن الرئيس الاميركي القابل حتى الآن بدور روسي عسكري وسياسي كبير في سوريا بغية ضرب الإرهاب وضمان حل سلمي، قد يعود الى فرض شروطه لاحقا والتي في مقدمها الطلب من الروس بأن يضغطوا لسحب إيران وحزب الله من سوريا.

*منذ فترة تُسرّب إسرائيل معلومات حول تعاظم القدرات العسكرية لحزب الله. يقول مثلا يائير بالي قائد الكتيبة 13 التابعة للواء غولاني التي تحتل مزارع شبعا، ان انشغال حزب الله في سوريا لم يترك ولا لدقيقة واحدة الحدود مع إسرائيل، وهو يراقب كل شيء عند جيشنا. وقال ضابط كبير آخر لموقع "والاه" الإسرائيلي ان حزب الله ينشر نحو 7000 مقاتل بشكل دائم في الأراضي السوريّة ولم يعد قتاله يقتصر على حرب العصابات وانما صار يتصرف كجيش وأكثر.

ان هذا القلق الإسرائيلي من تراكم خبرات حزب الله، ووصول صواريخ استراتيجية جديدة الى قواته في لبنان عبر سوريا، يعني أن آلة الضغط ال​اسرائيل​يّة واللوبيات اليهودية المالية والإعلامية والاقتصادية في أميركا سترفع مستوى ضغوطها على إدارة ترامب الى أقصاها، بغية عدم الانجرار خلف السماح لإيران وحزب الله مشاركة الجيش السوري انتصاره العسكري على الأرض. هذا اذاً فخ آخر وخطير وقد رأينا بعض انعكاساته عند الجبهة الجنوبية السورية المحاذية للاردن واسرائيل، حين سعت الأخيرة لإحداث اختراقات عبر المسلحين او حين قصفت مرارا الجيش السوري رغبة في تغيير المعادلة.

*ان الاحتواء المزدوج الذي تمارسه روسيا مع كل من تركيا وايران اضافة الى العلاقات القوية التي تربط بوتين من جهة بإسرائيل والجالية اليهودية في روسيا من جهة ثانية ومع مصر، يعني بالنسبة للعقل الأميركي التقليدي والمرتبط بكثير من مراكز الضغط، أن أي تساهل أميركي مع روسيا سيؤدي الى تقوية دعائم الدور الروسي في الشرق الاوسط واضعاف دور أميركا. وليس مستبعدا اذاَ ان يتعرض ترامب الى ضغوط هائلة في المرحلة المقبلة سعيا لتغيير هذه المعادلة انطلاقا من الأراضي السورية.

*ان الدعم الكبير الذي قدمته أميركا لاكراد سوريا والعراق في السنوات القليلة الماضية، كان يهدف الى دعم الاكراد السوريين في تشكيل كيان مستقل بهم على غرار ما حصل مع كردستان العراق. الآن تفرض العلاقات الروسية مع كل من تركيا وايران وسوريا عدم السماح لهؤلاء بإقامة مثل هذا الكيان والاكتفاء بنوع من الكونفردالية الإدارية الموسعة. كان هذا شرط أساسي للتحولات التركيّة. فماذا لو ساهمت اللوبيات الاميركية في اقناع ترامب بأن ما حصل مع اكراد كردستان العراق كان ليس فقط مفيدا جدا لاميركا ولكن ايضا لإسرائيل (علاقات ممتازة وتصدير نفط...) وأن إقامة كيان كردي مماثل في سوريا مهم للمستقبل الاستراتيجي الاميركي. هذا فخ أيضا مهم وخطير.

*لم يأتِ الأطلسي سابقا الى تركيا ويقيم قاعدة انجرليك العسكرية ويؤسس نظام مراقبة وتجسس وقواعد له في هذا المنطقة من العالم، الا في سياق السعي لتطويق روسيا حتى حدودها الاوروبية والسوفياتية السابقة، فهل يعقل ان تقبل الالة العسكرية الاميركية والاطلسية ان يتم التضحية بكل ذلك الآن، بينما روسيا تعزز مواقعها في قاعدتي حميميم وطرطوس ليصبح دورها العسكري ثابت هنا؟

انطلاقا من ذلك، فان هامش حركة ترامب لا يزال واسعا في سوريا في الاتجاهين، فهو اذا اقنع بوتين بان ابعاد ايران وحزب الله هو شرط للتنسيق الاميركي الروسي، يكون وضع الروس وحلفاءهم امام معضلة صعبة القبول او الحل، واذا خضع لضغوط اللوبيات، فان الساحة السورية ستشهد استمرار الحرب وخطوط التماس لفترة طويلة. فالشرق والشمال الشرقي في سوريا حيث الثقل الكبير لـ"داعش" هو مصدر الثروات النفطية والزراعية لسوريا. وحتى لو تم تعديل الحرب استراتيجيا بعد سيطرة الدولة السورية وحلفائها على المدن الكبرى (أي دمشق وحلب وحمص وحماه) فانها لا تستطيع تأمين مواردها دون استعادة الشرق والشمال الشرقي (دير الزور والرقة والحسكة). معروف مثلا ان داعش تسيطر على اكثر من 70 بالمئة من النفط، وان الحسكة لوحدها كانت تعتبر العاصمة الزراعية لسوريا. وان السيطرة على هذه المناطق صعبة بدون دعم جوي أميركي وقرار سياسي أميركي وتركي وعربي، مع ما يترتّب على هذا الأمر من تكلفة بشرية ومادية كبيرة نظرا لبعد المنطقة جغرافيا ومساحتها الواسعة واختلاط أوراق كثيرة فيها.

هذا يعني ان ترامب سيكون قادرا على الضغط عسكريا، خصوصا اذا ما عاد للسير في ركب الإدارة الاميركية السابقة بتسليح المسلحين (وربما تسليمهم صواريخ مضادة للطائرات)، كما انه قادر على استنزاف روسيا لفترة طويلة عبر ترك داعش تسرح وتمرح في تلك المنطقة السورية الواسعة والمحاذية للحدود مع تركيا والعراق.

لعل هذا بالضبط ما يجعل الأسد وايران وحزب الله في حذرٍ شديد، فهم من جهة لا يتحدثون عن نصر عسكري كامل حتى الآن ويقولون ان المعركة لا تزال طويلة حتى القضاء على الإرهاب.

كل ما تقدم يعني، ان ترامب اما ان يكون فرصة لسوريا وروسيا وحلفائهما، او أنه سيتحول ألى اكثر الأفخاخ الاميركي خطورة.

للنتظر ونرى فإن 20 كانون الثاني لناظره قريب خصوصا بعدما تبيّن من الإدارة التي عيّنها ترامب ان جميعها تقريبا معادية لإيران، وان بعض اربابها كانوا من صقور الحرب في العراق حتى ولو ان بعضهم مرتبط بعلاقات قوية مع روسيا.