"حيث لا يجرؤ الآخرون"، لم يتردد رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ في توجيه سهامه نحو إعتماد النظام النسبي في قانون ​الإنتخابات النيابية​، في حين عمد معظم الأفرقاء السياسيين إلى التغني برغبتهم بالوصول إلى قانون "عصري" يؤمن عدالة التمثيل، حتى رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، الذي كان يرفع لواء "رفض النسبية في ظل سيطرة السلاح"، بات يتحدث اليوم عن القانون المختلط.

في الفترة الأخيرة، ظهر "البيك" وكأنه المدافع الوحيد عن ​قانون الستين​ الحالي، من منطلق أنه "لسنا لقمة سائغة تباع أو تشترى على مذابح التسويات"، وأن "عدم تطبيق النسبية لا يُبطل التمثيل"، وصولاً إلى القول: "لا يا ممثل العلوج في الوزارة، إن مكونا أساسياً وتاريخياً من لبنان لا يمحى بشخطة قلم في مزايدات النسبية"، لكن أغلب القوى السياسية الأساسية في البلاد سارعت إلى كسب "الرضى الجنبلاطي"، من تيار "المستقبل"، الذي أكد أنه لن يوافق على أي قانون إنتخابي لا يرضى عليه رئيس "اللقاء الديمقراطي"، إلى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع و"حزب الله" و"حركة أمل"، حتى بات من الممكن القول أن الحفاظ على تمثيل النائب جنبلاط موضع إجماعٍ وطني.

على هذا الصعيد، من الممكن طرح الكثير من علامات الإستفهام حول هذه المعضلة، لا سيما أن "البيك" أتقن جيداً في السنوات السابقة، حيث كان الإنقسام الحاد بين قوى الثامن من آذار هو المسيطر على المشهد السياسي، اللعب على التوازنات، متنقلاً بين الإنضواء في قوى الرابع عشر من آذار، التي كان رأس الحربة فيها، ومن ثم التحالف مع قوى الثامن من آذار في تأمين الأكثرية النيابية لتسمية نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، بعد أن قرر الإنتقال إلى الموقع الوسطي.

في تلك الفترة، كان رئيس "اللقاء الديمقراطي" يوصف بـ"بيضة القبان" القادرة على قلب المعادلة في أي لحظة، لكن اليوم بعد التسوية السياسية، التي قادت إلى إنتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة سعد الحريري إلى السراي الحكومي، لم يعد يملك هذا الإمتياز، نظراً إلى غياب الخلافات التي كان يستطيع أن يستغل كتلته النيابية للإستثمار فيها، في حين هو إكتفى بالتشكيلة الحكومية بالحصول على حقيبة التربية والتعليم العالي ووزارة دولة لشؤون حقوق الإنسان، بالإضافة إلى حقيبة المهجرين التي ذهبت إلى رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب طلال أرسلان.

بالعودة إلى النظام النسبي في قانون الإنتخاب، يعلم "البيك" أن أغلب القوى السياسية، خصوصاً تيار "المستقبل"، لا تريد إعتماد هذا النظام، لكنها لا تستطيع أن تقول هذا الأمر في العلن، نظراً إلى أنها قادرة، في حال لم يكن لديها من بديل، على تعويض ما ستخسره في مكان آخر، في حين هو لن يكون أمامه من خيارات بديلة، لا بل أن التراجع الذي سيطرأ على عدد نواب كتلته لن يتوقف عند النواب المسيحيين والنائب السني في إقليم الخروب، بل ربما يشمل المقاعد الدرزية التي يحتكر تمثيلها، ويتخلى عن واحد منها في قضاء عاليه، عندما يريد ذلك، إلى النائب أرسلان، بينما المقعد الآخر، في حاصبيا، يتوافق منذ سنوات على تسمية النائب أنور الخليل له مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

وبينما يرى البعض أن حملة "التضامن" مع النائب جنبلاط ليست إلا "حجة" لإبقاء قانون الستين الحالي على قيد الحياة، تطوف مصالح جميع الأفرقاء على السطح، من رغبة الثنائي الشيعي بالحفاظ على الإستقرار الحالي في منطقة الجبل، وصولاً إلى رغبة تيار "المستقبل" بالحفاظ على التحالف معه في الشوف والبقاع الغربي وبيروت، من دون تجاهل سعي حزب "القوات اللبنانية" والتيار "الوطني الحر" إلى الأمر نفسه في الشوف وعاليه، لا سيما إذا ما فشلت الجهود بالوصول إلى إقرار قانون جديد للإنتخاب.

في المحصلة، يسعى الجميع إلى الوقوف على خاطر "البيك"، إنطلاقاً من الرغبة بالتمترس خلفه للإبقاء على الستين أو السعي إلى التحالف معه في الإنتخابات المقبلة، بينما لا يملك معارضوه على الساحة الدرزية إلا التعبير عن إمتعاضهم من هذا التكتل "الوطني"؟.