أن يحطّ أكثر من مسؤول إيراني بارز في دمشق، في فترة زمنية قياسية بعد زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى طهران، برفقة رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك، فهذا يدل على أمر عسكري وسياسي هام تنتظره الساحة السورية في المرحلة المقبلة. فبعد ساعات على مغادرة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي العاصمة السورية، بعد لقاء الرئيس بشار الأسد، حطّ أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في دمشق، ليلتقي الأخير أيضاً.. ثمة قرارات عسكرية هامة تقف وراء هذه الزيارات المتلاحقة والمتسارعة في هذا التوقيت تحديداً، في ظل مناورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتقارب مع موسكو للنفاذ من خلالها إلى ترجمة مخططه التوسعي في الشمال السوري، وإصراره على انتزاع مدينة الباب الاستراتيجية من السيادة السورية، رغم التحذيرات السورية المتكررة، في الوقت الذي أكدت تقارير ميدانية أن أنقرة تجهّز آلاف المسلحين من الميليشيات المحسوبة عليها لإعادة تطويق حلب.

وفق مصادر صحفية إيرانية، فإن طهران تدرك أن أنقرة أُوكلت بمهمة "إسرائيلية" "تقسيمية" في سورية انطلاقاً من شمالها، كما تدرك مكر أردوغان وغدره ولعبه على حبال الحلفاء والخصوم على حد سواء. وتلفت المصادر إلى قرارات مفصلية أفضت إليها اللقاءات السورية - الإيرانية في طهران ودمشق، سيما الأمنية منها، مكتفية بالإشارة إلى حدث ميداني "هام" في غضون الأسابيع المقبلة.

وفي ذروة الرسائل "الساخنة" بين طهران وأنقرة عقب دعوة الأخيرة إلى خروج مقاتلي حزب الله من سورية، ليردّ عليها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي من دمشق، عبر مطالبته "القوات التي دخلت الأراضي السورية من دون موافقة دمشق بالانسحاب من تلك الأراضي فوراً"؛ في إشارة واضحة إلى القوات التركية، ولتلحق ببيان غرفة عمليات قوات حلفاء سورية، الذي كشف أن "جبهة النصرة" تحضّر لهجمات بإشراف أنقرة، نقلت صحيفة "ازفيستيا" الروسية عن النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فرانس كلينتسيفس، ترجيحه أن تكون اللقاءات الأمنية السورية - الإيرانية التي بدأت في طهران واستُكملت سريعاً في دمشق، أفضت إلى قرار عسكري "كبير" حيال مدينة الباب، من دون إغفاله الإشارة إلى أن معركة تحرير إدلب ستشكّل مفاجأة عسكرية في وقت ليس ببعيد. وفي السياق، توقّف خبراء عسكريون عند الغارات المكثفة التي نفذتها المقاتلات السورية الثلاثاء الماضي على مواقع "داعش" جنوب مدينة الباب، تزامناً مع تواتر تقارير ميدانية لفتت إلى حشود ضخمة للجيش السوري وحلفائه باتت تطوّق تلك المنطقة "تحضُّراً لتحريرها"، في وقت أشار المحلل العسكري في صحيفة "اندبندنت" البريطانية باتريك كوكبرن إلى أن قرار دمشق بحسم معركة الباب، حتى لو اقتضى الأمر مواجهة عسكرية بين الجيش السوري والقوات التركية، هو قرار حاسم، دُعم بمؤازرة إيرانية، كاشفاً عن تنسيق استخباري "إسرائيلي" - بريطاني حيال رصّ صفوف المجاميع المسلحة في إدلب، والعمل على توحيد "جهادييها" تحت قيادة عسكرية موحَّدة، ما أفضى إلى وصول "جنرالات" بريطانيين إلى سورية لهذه الغاية في نهاية الشهر الماضي، "تحت حماية قوات جوية خاصة". إلا أن كوكبرن لفت إلى أن مهمة هؤلاء فشلت قبل أن تبدأ، جراء الغليان وانهيار الثقة بين عناصر "جيش الفتح" ومجاميع المسلّحين الوافدين إلى إدلب من ريف دمشق، وعمليات التصفية المتبادَلة وشبه اليومية بين "الفتح" و"أحرار الشام"، لتدخل الضربات السورية على خط "تناتُش" تلك المجاميع، عبر استهداف ما تبقّى من قادة لـ"النصرة"، والتي كان أعنفها تسديدة جوية نفذتها مقاتلات سورية وليس من تحالف واشنطن كما ادعى ناشطون في "الجبهة"، وفق تأكيد كوكبرن، مسحت مقراً سرياً كانت تجتمع فيه مجموعة من قادتها في سرمدا بريف إدلب، أسفرت عن مقتل كامل المجموعة و60 مسلحاً، إضافة إلى العشرات من ميليشيا "الجيش الحر" كانوا معتقَلين لدى "النصرة" في المقر المذكور. الضربة القاسية حدت بقادة "أحرار الشام" إلى تأكيد أن مسؤولية تحديد مقرات "النصرة" السرية تعود إلى الخرق الاستخباري السوري الذي بات ينخر بجدار "الجبهة".

ويلفت تقرير لصحيفة "دايلي بيست" الأميركية، إلى أن "عام 2017 سيكون رائعاً للأسد وسيئاً جدا لأردوغان"، فالأول سيسجّل مزيداً من الانتصارات في جبهات غير متوقَّعة، فيما تنتظر الأخيرة أحداث قاتمة وخطيرة خلال شهور معدودة.. اللافت أن مضمون التقرير تقاطع مع ما نشره موقع "ديبكا" "الإسرائيلي" نهاية الشهر الماضي، حمل عنوان "الحرب تنتقل من سورية إلى تركيا"، لم يستبعد فيه انحدارها الوشيك إلى فوضى عارمة، مقابل "ثبات الأسد" وتحوُّله إلى رقم صعب.. والأبرز هو ما نقلته الصحيفة الأميركية عن دبلوماسي فرنسي في العاصمة العُمانية مسقط، كشف فيه أن المعارضة السورية ستُمنى قريباً بضربة قاصمة مرة أخرى، إذ بعد عودة المعارض نواف البشير إلى دمشق، "ثمة شخصية معارضة بارزة أنهت ترتيبات وساطة دامت أسابيع مع إحدى الدول الحليفة لسورية، لعودتها إلى دمشق".