حذّرت "النشرة" في مرّات عدّة في وقت سابق بدءًا من أيلول الماضي من خطرين يتهددان "المدرج الغربي" لمطار بيروت الدولي، الاول يتعلق بغاز الميثان وحرقه أو ما يُعرف بتقنية "flaring"، والثاني تزايد أعداد الطيور قربه بما يؤثر على سلامة الطائرات. يومها لم يتحرك أحد، ربما لأن هدف الساسة كان الاستثمار السياسي بحل مشكلة النفايات التي أغرقت العاصمة.

تذكر المسؤولون منذ أيام ان الطيور تشكل خطرا على سلامة الطيران، وهي فعلا كادت أن تُسقط طائرة تابعة للميدل ايست أثناء هبوطها، تداعى المختصّون الى اجتماعات لبحث الملف وايجاد الحلول فقرر رئيس الحكومة سعد الحريري زيادة عدد "ماكينات" اصدار الأصوات المخيفة لتهريب الطيور، وأصدر قاضي الامور المستعجلة في جبل لبنان حسن حمدان قرارا قضى باقفال "​مطمر الكوستابرافا​". حسنا، بعد هذه الاجراءات ماذا عن النفايات المكدّسة في المطمر والجاذبة للطيور، وماذا عن النفايات التي ستتكدس بالشوارع، وهل تنفع الأصوات بتهريب الطيور، وماذا عن الاستثمار السياسي؟

تشير مصادر مطلعة على الملف الى أن النفايات في موقع الكوستابرافا لن تتحرك من مكانها فلدى "المكب" قدرة معينة على التخزين بعد لفّ النفايات بالنايلون ما يُبعد الطيور عنها. وتضيف المصادر: "الحل الامثل يكمن في اقفال المكب نهائيا وإعادة فتح مطمر الناعمة واستعمال الاراضي المستملكة من قبل الدولة وبأموال الشعب اللبناني، ووضع خطة مستدامة من قبل الحكومة وتنفيذها باحترافية".

لا ترى المصادر إمكانية بالوقت الراهن لعودة النفايات الى الشوارع، متوقعة ان تعمد البلديات الى تجميعها ولفّها بالنايلون كما حصل سابقا قرب مرفأ بيروت والكرنتينا، مشيرة الى أن موافقة القيّمين على مكب برج حمود، على استقبال كامل كميات النفايات هي أمر مستحيل، وبالتالي فلا حل سوى بفتح مطمر الناعمة. امّا بالنسبة لماكينات اخافة الطيور، فإن هذا الحل لن يكون ناجعا لأنها ستعتاد على الاصوات خلال أيام وتكتشف أنّها تُخدع. وفي نفس السياق علمت "النشرة" أن من الأفكار التي طُرحت على طاولة البحث "فكرة تسميم الطيور" من دون الإعلان عن هذا الحل تجنبا لـ"رفض الجمعيات البيئية". وهنا تحذر المصادر من هذه الخطوة التي ستسبب أضرارا بيئية كبيرة ولن تنهي المشكلة الحقيقيّة.

وفي سياق متصل نلاحظ عند الحديث عن مشكلة الطيور اليوم، ذكر "نهر الغدير" كأحد أسباب تجمع الطيور قرب مدرج المطار، وهذا ما تراه المصادر تشويشا وتشتيتا للبنانيين عن السبب الحقيقي والأوحد المتمثل بمكب الكوستابرافا. وتقول المصادر: "ليس التلوّث حكرا على نهر الغدير فنهر بيروت لا يختلف كثيرا، فلماذا لا نجد كميّات كبيرة من الطيور على مصب نهر بيروت؟ ولماذا لم تواجهنا مشكلة الطيور قبل سنوات رغم وجود نهر الغدير قرب المطار منذ سنين؟".

الاستثمار السياسي

أقنع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب ​وليد جنبلاط​ اهل مدينة الشويفات بحسنات مطمر الكوستابرافا عند إقرار فتحه، واليوم يغرد عن مخاطره، وفي الحالتين سعى جنبلاط للاستثمار السياسي، تقول المصادر. وتضيف: "أصبح سلاح النفايات من أبرز أسلحة جنبلاط لدى كل استحقاق سياسي، واليوم حان وقت استعمال السلاح في حرب "قانون الانتخاب، اذ ان المعلومات تشير الى قرب "إشراك" مطمر الناعمة في اللعبة السياسيّة عبر طرح "فتحه" مقابل مكاسب سياسيّة متعلقة بقانون الانتخاب". وتسأل المصادر: "إن قرر كل فريق سياسي أن يستثمر "المرافق العامة" خدمة له، وقررت مثلا الأحزاب المسيحيّة إقفال معمل الذوق الكهربائي الذي يؤذي السكان حوله، وقررت الاحزاب الشيعية إغلاق مطار بيروت الدولي بسبب الضجيج الذي يمنع النوم عن السكان، فماذا سيكون مصير البلد، وما الذي يعطي لجنبلاط الحق بإقفال مرفق عام هو مطمر الناعمة وعدم القبول بفتحه "مجّانا" رغم الأموال المدفوعة للاستملاكات ورغم عدم وجود بديل له، ولا يعطي لغيره نفس الحق بإقفال مرافق عامة اخرى؟.

سئم اللبنانيون من "اللعب" بمصيرهم على طاولة السياسة، وسئموا من جعل "صحتهم" ورقة للتفاوض، وفي بداية هذا العهد الجديد الذي يسعى لإعادة الثقة بالدولة، لا بد أن نقول بأن الثقة تُبنى في مواقف وحالات مشابهة لما نراه اليوم، فهل تُطبق القوانين لما فيه مصلحة المواطنين رغم أنف المستثمرين؟ أم ستبقى الكلمة العليا لأمراء المناطق؟.