منذ ان تم الاعلان عن اعتماد وقف اطلاق النار في سوريا، وعلى الرغم من التشكيك بصموده، توالت المواقف المرحبة والمؤيدة له من مختلف دول العالم، ومن الامم المتحدة ايضاً، كما تم الاعلان عن موعد محدد (23 كانون الثاني) لانطلاق محادثات السلام السوريّة في آستانة. كل هذه المعطيات تشير الى ان مرحلة جديدة بدأت، لن تنتهي الا بعد التوقيع على اتفاق سلام شامل يعيد خلط الاوراق السياسية والتحالفات الداخلية السورية.

في غضون ذلك، يتم نسج شبكة العلاقات بين الدول المعنية بشكل مباشر وغير مباشر في المنطقة، وتأتي ​اسرائيل​ ضمن هذه القائمة بطبيعة الحال، وهي لطالما شكّلت مشكلة للغرب والعرب في هذا الشرق، انما تحولت الى امر واقع لا مفر من التعاطي معه، وقد اختار الغرب اعتماد الطريقة الاسهل لهذا التعاطي وهي الوقوف الى جانب اسرائيل ودعمها، فيما بدأ بعض العرب في الآونة الاخيرة التفكير بهذا الموضوع ومقاربته من هذا المنظار.

ويقف اليوم في اسرائيل رجل اسمه ​بنيامين نتانياهو​، يبدو كأنه يترنح بعد ان كان الرجل القوي وعرف كيف يحبط كل المخططات لاضعافه خصوصاً في الفترة الاخيرة التي تحدى فيها ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما وفاز بانتخابات عامة. تراجعت شعبية نتانياهو عن السابق بطبيعة الحال، ولكن معروف عنه انه صاحب المواقف الصعبة، بمعنى انه دائماً ما يعود للعوم على سطح المياه بعد ان يكاد يغرق.

ولكن الامور الجديدة تغيرت، واللاعبون على الساحة الاقليمية لم يعودوا انفسهم اذ فرضت روسيا نفسها بقوة كلاعب اساسي جديد، فيما تبحث ايران عن دور اكثر فاعلية، وتعمل تركيا على استعادة صورة فقدتها منذ سنوات وترغب في تحقيقها قريباً.

وضع نتانياهو اليوم غير مريح، وفضيحة الرشاوى التي ضربته انما هي رسالة تفيد بأنه ليس "رجلاً خارقاً" ويمكن ان يُستهدف تماماً كغيره من الرجال، وقد اصبحت عادة المحاكمة ان بالنسبة الى تلقي الرشاوى او بالنسبة الى التحرش الجنسي في اكثر من دولة، دليل على ان المستهدف (ولو انه غير بريء في كثير من الاحيان)، عليه ان يتعلم من الرسالة ومفادها انه اما لم يعد صالحاً للحكم وفي طريقه للرحيل، او ان عليه القيام بتحرك ما لاستعادة الثقة به للبقاء في منصبه. وفي الحالتين، يكون هذا الشخص ضعيفاً في الخارج، مهما بلغت قوته الداخلية. هذا ما يعيشه حالياً نتايناهو، الا انه ضعيف ايضاً في الداخل وعليه ان يدرس خياراته ليعلم ما الذي يفضله الغرب له، ان يكون قوياً في الداخل ام ضعيفاً؟ واذا كان قوياً فمعنى ذلك ان دوره في المرحلة الجديدة محفوظ، وان اللعبة السياسية ستقوم على ابقاء الخوف العربي من اسرائيل جاثماً على الدول العربية، والاستفادة منه ليكون الستاتيكو مماثلاً للسنوات الطويلة التي مرّت، والقضاء نهائياً على اي امل باقامة دولتين منفصلتين تعيشان جنباً الى جنب.

اما في حال العمل على اضعاف نتانياهو في الداخل الاسرائيلي، فتداعيات هذا الامر ستكون عديدة وقد لا تعني الطمأنينة بالنسبة الى العرب، ولكنها في المقابل ستعني عدم جمع الاسرائيليين حول رجل واحد، وتوسيع مروحة القرار الاسرائيلي ليصل الى اكبر شريحة ممكنة من الاحزاب، وهو سيُفقد حتماً مركزية القرار وسيعني ان قوة اسرائيل السياسية لن تفيد بعد اليوم، وعليها انتظار ما يرسم لها، كغيرها من دول المنطقة، لتتقيد به.

واذا ما تقرر اضعاف القرار الاسرائيلي، فلا يجب على العرب ان يفرحوا، لان عدم تفضيل اسرائيل لن يعني تفضيلهم عليها، ويجب ان يترقبوا بحذر مسار الطريق الذي سيرسم وكيفية التعاطي معهم، وحتى الفلسطينيين لن ينعموا بهذه اللحظة، لان ابقاء الخلافات والاشتباكات مع الاسرائيليين سيكون اساسياً في سبيل عدم احداث اي تغيير في هذا المجال.