حتى الساعة، نجح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في تجاوز كافة المطبّات، التي كان من المتوقع أن تظهر في طريقه، بعد إنتخابه نتيجة تسوية داخلية حظيت بدعم العديد من القوى الإقليمية والدولية. من الإنقسام المتشعب بين القوى السياسية حول الملفات الإقليمية، وصولاً إلى رغبة الجهات الخارجية الفاعلة على الساحة اللبنانية بالإستثمار في مواقفه.

في هذا السياق، برز التحول من خلال السرعة في تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، ومن ثم إنجاز البيان الوزاري ونيلها الثقة على أساسه في المجلس النيابي. وبعد ذلك كانت الجولة الخليجية، التي تضمنت زيارة كل من السعودية وقطر، من دون أي إعتراضات، مع أن البعض سعى إلى محاولة ربطها بالدعوة إلى زيارة كل من سوريا وإيران في الأيام المقبلة.

في مواقفه السياسيّة، يظهر الرئيس عون قدرته على الموازنة بين مختلف الأفرقاء، وهو ما تأكد مؤخراً عند التطرق إلى مشاركة "حزب الله" في القتال في سوريا، حيث شدد على أن "لبنان خارج المحاور ويبني صداقاته مع الجميع"، في حين أن معالجة ملف إنخراط الحزب في صراعات المنطقة "تفوق قدرة لبنان لانخراط كل من أميركا وروسيا وتركيا وايران والسعودية فيها".

على هذا الصعيد، تؤكد مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن توجه رئيس الجمهورية، منذ ما قبل إنتخابه، هو السعي إلى تحييد لبنان عن أزمات المنطقة، من دون أن يعني ذلك عدم التنبّه إلى الخطر الإرهابي الذي يجتاح العالم، وهو ما تناوله في خطاب القسم عندما تحدث عن الحرب الإستباقيّة، وتشير إلى أن عون يدرك جيداً أن لبنان الرسمي لا يمكن أن يكون جزءاً من محور على حساب الآخر، في ظل الإنقسام الحاد بين الأفرقاء السياسيين.

وتشير المصادر نفسها إلى أن الجميع يعلم حقيقة الإنقسام بين القوتين الأساسيتين في البلاد، أي "حزب الله" وتيار "المستقبل"، حيث الأول منخرط في المحور الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران ولا يتردد بأن يكون رأس حربة في الصراع مع السعودية، في حين أن الثاني من أبرز حلفاء الرياض على الساحة المحليّة، لكنها تلفت إلى أن هذا لا يلغي توافق الجميع على إنتخاب عون رئيساً للجمهورية في نهاية المطاف، بالرغم من أن هذا الخيار جاء بعد سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الأهم هو قدرة رئيس الجمهورية على إدارة الملفات الداخلية التي تهم المواطنين بالدرجة الأولى، بعد نجاحه في سياسة التحييد عن الصراعات الخارجية، حيث تكبر الرهانات يوماً بعد آخر بسبب الجو التوافقي الذي يعم الساحة المحلية، وهو ما قد يترجم في المرحلة المقبلة في العديد من الملفات المعلقة منذ سنوات، لكنها تشدد على أن التحدي الأكبر سيكون على مستوى إقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية بالتزامن مع إجرائها في موعدها، وترى أن الفشل في هذا المجال سيكون له تداعيات سلبية.

حول هذا الملف، تجزم المصادر السياسية المطلعة بأن عون لا يتحمل المسؤولية وحده، لا سيّما أن الفشل في التوافق على قانون جديد للإنتخابات ليس بالأمر الجديد، خصوصاً أن أغلب القوى السياسية باتت تعلن مواقف ملتبسة في الوقت الراهن ترجح الإبقاء على القانون الحالي، لكنها ترى أن هناك دوراً كبيراً يستطيع أن يلعبه على هذا الصعيد، على الأقل من الناحية المعنويّة، وتضيف: "الأمال معلّقة عليه لأنه كان من أبرز رافضي القانون الحالي عندما كان رئيساً لتيّار سياسي فاعل".

في المحصلة، تجدد هذه المصادر التأكيد أن هذا هو التحدي الأكبر أمام العهد الجديد، وتشير إلى أن من مصلحته إجراء ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة على أساس قانون جديد يؤمن صحة التمثيل.