لا يتعلق الأمر وحده بمؤتمر آستانة المرتقب حول المفاوضات السوريّة. صراع المعارضين السوريين الموزّعين بين اجنحة، يتمدد. مات "الإئتلاف" ودفنت السنوات الماضية المجالس. لم يبقَ الاّ ذكرى محطات تاريخية جمعت المعارضين في قاعات الفنادق التركية والعربية والاوروبية طيلة سنوات ست مضت. تشتّت الشمل بفعل تضارب المصالح الدولية. صارت أنقره الآن أقرب الى موسكو من الرياض، وباريس مشغولة بهمومها الانتخابية وهواجسها بشأن النازحين ومكافحة الارهاب. ألمانيا مثلها مع اختلافات نسبيّة قائمة بين دولة أوروبية وأخرى حول مقاربة الأزمة السورية. بريطانيا غائبة تتفرغ لترجمة الانسحاب من الاتحاد الاوروبي. كل عنوان تغيّر من أعوام 2011 و2012 وصولاً الى 2016 الذي أنتجت تحولاتُه مستجداتٍ سياسية جوهرية في العام الحالي، ستُترجم في الآستانة.

يردّد المعارضون السوريون كلاماً مفادُه ان "جماعة تركيا" -القصد تحديداً من معارضي الشمال- يستأثّرون بالحصّة الأكبر في المفاوضات المرتقبة. ما يعني الخشية من ابتلاعهم المكاسب السياسيّة في المرحلة المقبلة. لا تستسيغ دمشق كثيراً هذا الكلام. هي حذرة من "الإسلاميين" التابعين لتركيا. لا تفضّـل أن تجلس على طاولة لمحاورة "نيو اخوان مسلمين". لسوريا مصلحة بعودة "معارضي القاهرة" الذين لم يسلّموا أوراقهم لا لتركيا ولا للسعودية. أكثرهم من الخارجين من حضن الدولة، والأفضل لدمشق ان يعودوا الى حضنها. لكن مشكلة هؤلاء المعارضين انهم لا يمتلكون فصائل مسلحة على الارض. معظمهم نخبويون سياسيّون لا تريد ​روسيا​ استبعادهم، لكن اتفاقها مع تركيا يقضي بالتعامل مع "جماعة الشمال" القادرين على حسم الميدان في مناطق عدة.

يتفرج اكثر المحسوبين على السعودية وغيرها: ما الذي يجري؟! يراهنون على فشل التفاوض المستبعدين عنه. تركيا بالمقابل تحبّذ الوصول الى اتّفاق تضمن فيه مصالح حلفائها او المؤتمرين بأوامر مخابراتها من المجموعات التي سلحتها وموّلتها.

لم يعد امام مجموعات الجنوب وارياف دمشق وحمص وحماه الاّ سلوك طريق التسويات الداخلية بالمفرق. التأخير يعني مزيداً من التنازلات والاستنزاف في صفوف الفصائل واستئثار جماعة "الاخوان".

العهد الأميركي يتبدل بعد أيّام. سيترجم الرئيس الجديد دونالد ترامب سياساته الشرق اوسطية بالتعاون مع روسيا. لا مكان للمسلحين السوريين وخصوصا الإسلاميين في اجندته. سيتركهم لنيران الجيش السوري وحلفائه كما ترك الأتراك حلب. الفرق ان مسلحي الشمال انتقلوا الى إدلب. لن يبقى مكان لمسلحي الجنوب والوسط. لن تتسع لهم إدلب ولا الحدود التركية. كما لن تتسع لهم طاولات المفاوضات. لن يسمح لهم الاردن بالانتقال الى أراضي المملكة الهاشمية. فهي بالكاد وضعت النازحين في مخيمات مقفلة.

المعارضون السوريون يعتبرون ان "جماعة الشمال" يطيحون بباقي الفصائل. هذا ما هو حاصل فعلاً.

معظم المفاوضين من جذور "اسلامية" وهوى تركي. اما الثلاثة الذين يمثلون "جيش الاسلام" فلم تعد ارتباطاتهم بالسعودية كما كانت سابقاً.

كنان ولبيب نحاس يقودان الجناح التقليدي في "حركة احرار الشام" المقربة من الاستخبارات التركية. ممثلو جماعات الجنوب والارياف الاخرى ينتمون "للإخوان" وتفرعاتهم.

على هذا الأساس يبدو ان "جماعة الشمال" هم طرف التسوية مع "النظام" برعاية الإتفاق الروسي-التركي، رغم أنّ موسكو ستضمّ اسماء جديدة من المعارضين المقرّبين اليها. لكن أين المجموعات التي كانت محسوبة على دول خليجية؟ لا وجود لها. هي خطّة تركيا لإزاحة كل الآخرين وضمان فرض مجموعات اخوانيّة المنشأ والهوى.

المعارضون المذكورون أرادوا ان يوحوا بأن وزنهم الميداني هو الأساس. فإجتمعوا وقرروا أن "تقدم فصائل "الجيش السوري الحر" خرائط لاعتمادها، واحترام خطوط التماس خلال ستة ساعات من تقديم الخرائط كحدٍّ أقصى، ووقف الحشد العسكري والهجوم على المناطق".

أما في المرحلة التي تليها، تسلم الفصائل أسماء الوفد المفاوض بعد مرور 48 ساعة على التزام "النظام السوري"، وحلفائه بوقف إطلاق النار والتحشيد على هذه المناطق.

كما يُشترط نشر مراقبين دوليين على خطوط التماس خلال عشرة أيام وقبل الذهاب للآستانة، ليذهب الوفد المعارض بعد نشر المراقبين.

كل طرف يرفع السقف، ما يوحي بأن جولة الآستانة قد تكون من ضمن تكتيكات الحرب. دمشق وموسكو وحلفاؤهما يدركون ان كل جولة ميدانية ستضمن مزيداً من التنازلات عند المسلحين.