ما جمعه رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، فرّقته المصالح السياسية والصراع على النفوذ. هذا ما يمكن وصفه بطريقة بسيطة للصراع القائم بين وزير الداخليّة ​نهاد المشنوق​ ووزير العدل السابق اللواء ​اشرف ريفي​. افترق الاثنان بعد ان اجتمعا تحت مظلة "تيار المستقبل" ورئيسه الحالي ​سعد الحريري​، ومنذ ​الانتخابات البلدية​ كانت هالة ريفي اكبر من ان تستوعبها مشاكل الحريري والصعوبات التي كانت تعترضه، وقرار المشنوق الوقوف الى جانب الاخير ورهانه عليه.

بدا ريفي بعد الانتخابات وكأنه تحول الى العملاق السنّي الذي يتحضر لاكتساح الحريري والحلول مكانه، وبدأ زحفه من طرابلس (مركز الثقل) ووضع خطته وشروطه لتقبّل الهزيمة الحريرية. وفي وقت كان ريفي يتبع الاستراتيجية العسكرية التي اعتاد عليها حتى تقاعده من السلك العسكري، كان المشنوق يعمل وفق استراتيجية اخرى يتقنها وهي سياسية وتقوم على توسيع شبكات الاتصال محلياً واقليمياً ودولياً، واستشراف الوضع السعودي تحديداً لوضعه كخط دفاع اول امام هجوم ريفي.

مع الوقت، تحركت الاوضاع وتسارعت التطورات، وبدا ان خطة المشنوق تمركزت في خانة الرهانات الصحيحة، وهو كان له دور مهم في دفع الحريري الى تبنّي ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وبالتالي وصول الحريري الى رئاسة الحكومة لاعادة تعويمه على اكثر من صعيد. ولعل تواجد المشنوق مع الرئيس عون ضمن عداد الوفد الرسمي الذي جال على السعودية وقطر، اكبر دليل على ارتفاع اسهمه مقابل انخفاض اسهم ريفي، وترافق هذا الامر مع الضغط على الوزير السابق لتخفيف حجمه امام الناس، فتم سحب عدد من العناصر والآليات التي كان يستعملها خلال تنقلاته ولحمايته، وهو ما خفف وهج الهالة التي كان يتمتّع بها امام الطرابلسيين وغيرهم من اللبنانيين في اكثر من منطقة. واتى هذا الامر ايضاً بمثابة رسالة واضحة ولا لبس فيها، مفادها ان السعوديّة لا تمانع تخفيف حجم ريفي، ولو أدّى ذلك الى سطوع نجم المشنوق في المقابل، فيما اخذ الحريري خياره بدعم وزير الداخلية الحالي واغلاق الباب امام من تحول الى "خصم سياسي" بعد ان كان من المقربين.

اليوم، بات الوضع معكوساً، اذ يحاول ريفي تعويم نفسه وعدم الوصول الى القعر الذي وصل اليه الحريري سابقاً، فيما يعمل المشنوق والحريري على اغراقه اكثر فأكثر للانتهاء من حقبة مريرة هددت مكانتهما وواقعهما في التيار المستقبلي. والرسالة الاقوى التي وصلت الى ريفي هو انه لم يعد بامكانه الاعتماد على الانشقاقات التي سادت "المستقبل"، خصوصاً مع التضييق على النائب فؤاد السنيورة والصفعة التي تلقاها عبد المنعم يوسف بعد ان كان في قلعة محصّنة عجز عن الدخول اليها العديد من القوى السياسية، ولم يعد للصقور في التيار المستقبلي الصوت المسموع الذي يمكنه تغيير الواقع او الوقوف في وجه قرارات الحريري والفريق الذي يدعمه.

من المبكر توقّع ما ستكون عليه الاحوال بعد فترة من الزمن، ولكن اذا بقيت الوتيرة السياسية الاقليمية والدولية على حالها، فإن التوقعات تشير الى غياب شمس ريفي وسطوع شمس المشنوق في معركة اتسمت بالقوّة والحدّة التي لم نعهدها منذ زمن طويل بين عضوين من تيار سياسيّ سنّي قويّ، وبات من الواضح ان النفس السياسي كانت له اليد الطولى في المعركة وتفوّق على النفس العسكري الذي كانت سيطرته محدودة الوقت رغم الانتشار الواسع الذي حقّقه.

هذا هو الواقع اللبناني، حيث ان النتيجة تتغير بسرعة تغيّر الرياح، الا ان هذه الرياح هذه المرة هبّت من جانب واحد واستمرت على هذا النحو، ومن المتوقع ان تبقى في هذا الاتجاه ما لم يحصل تغيّر دراماتيكي يقلب الامور رأساً على عقب، وفي هذا الوقت من المهم مراقبة ردّة فعل ريفي لمعرفة الاستراتيجية الجديدة التي سينتهجها وما اذا كانت فاعلة ام لا.