على وقع التجارب السابقة، غالباً ما تكون طريق المؤتمرات الدولية المخصصة لبحث الأزمة السورية مزروعة بالألغام، حيث كانت دائماً مقدمة لتصعيد عسكري أكبر، وهذا الأمر ينطبق على ما يبدو على مؤتمر الآستانة المزمع عقده في العاصمة الكازاخستانية، في 23 الشهر الحالي، بمشاركة فصائل المعارضة السورية والحكومة، بوساطة تركية-روسية، بعد التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في 29 كانون الأول الماضي.

بالتزامن، سيكون من المتوقع عقد إجتماع بين القوى المعنيّة في الأزمة السوريّة في جنيف، يوم الثامن من شباط، برعاية الأمم المتحدة، بعد أن كان المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، قد أعلن أن المؤسسة الدولية لا تنظر إلى مفاوضات الآستانة باعتبارها منافسة لمفاوضات جنيف.

وعلى الرغم من أن كل الأنظار تتجه إلى كازاخستان، بعد أن نجحت الحكومتين الروسية والتركية في إستغلال الفرص الدولية والإقليمية المناسبة لإطلاق مسار المفاوضات، تبرز العديد من العراقيل التي قد تعيد الأمور إلى نقطة الصفر، مع العلم أن أنقرة مارست ضغوطاً كبيرة على فصائل المعارضة لدفعها إلى المشاركة في هذا المؤتمر، الذي تأمل من خلاله بتكريس دورها في الشمال السوري، بعد أن كانت أطلقت عملية "درع الفرات" تحت عنوان محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، في حين تعتبر موسكو أن هناك فرصة جدية اليوم لتحقيق الهدف الثاني من تدخلها العسكري في الحرب السورية، بعد أن نجحت في إعادة التوازن إلى الميدان.

على هذا الصعيد، يعتبر "التذبذب" في الموقف الأميركي العامل الرئيسي غير المساعد، نظراً إلى أن واشنطن تشهد في هذه الأيام مرحلة إنتقالية بين إدارتين، الأولى برئاسة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما والثانية برئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وحتى الساعة لم تظهر حقيقة مواقف الإدارة الجديدة، لا سيما أن الثاني معروف بالتبدل في مواقفه، بالرغم من الرهان على رغبته في التقارب مع موسكو، المتزامنة مع التصعيد باتجاه طهران، وكل ما صرح به، خلال المنافسة الإنتخابية مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، لا يمكن أن يعول عليه عملياً بعد أن يتسلم السلطة فعلياً، وهو ما ظهر بشكل لافت في مواقفه ومواقف وزرائه ومساعديه.

من جهة ثانية، يأتي موقف قوات "سوريا الديمقراطية"، أو القوات الكردية التي باتت تسيطر على مساحة واسعة من الأراضي، حيث لم توجه دعوة لها للمشاركة، بسبب الموقف التركي الذي يصنفها منظمة "إرهابيّة"، في حين أعلن المتحدث الرسمي باسمها طلال سلو أن غيابها عن المؤتمر سيؤدي إلى عدم إعترافها بأي قرار يصدر عنه، الأمر الذي لا يمكن تجاهله بأي شكل من الأشكال، نظراً إلى الدور الذي تقوم به بالإضافة إلى الدعم الذي تحظى به من جانب الولايات المتّحدة، لا سيما بعد أن أعلنت عن الفيدراليّة الخاصة بها.

بالتزامن، لا يمكن إهمال الصراع التركي-الإيراني على النفوذ في سوريا، وهو ما ظهر بشكل لافت في الفترة الأخيرة، حيث تعتبر أنقرة أن طهران منزعجة من تقاربها مع موسكو وتتهمها بانتهاج سياسات طائفية، بعد أن كانت دعت في أكثر من مناسبة إلى إنسحاب "حزب الله" من الأراضي السورية، في حين ترى إيران أن أنقرة غير جادة في مسار المفاوضات، وتتحدث عن إستعدادات تجري، بالتعاون مع جبهة "النصرة" الإرهابية، لتنفيذ هجمات جديدة في الشمال السوري.

وفي حين لا يمكن إهمال غياب الدورين السعودي والقطري عن هذا المؤتمر، حيث تسيطر تركيا على تمثيل فصائل المعارضة السورية، لا يمكن إهمال دور الجماعات الإرهابية الفاعلة على أرض الواقع، لا سيما "داعش" و"النصرة"، نظراً إلى أنهما سيسعيان إلى العرقلة بأي ثمن على إعتبار أن أي إتفاق لا يمكن الاّ أن يشملهما، وبالتالي سيحول الحرب عليهما في إطار الحرب على الإرهاب، و"النصرة" تملك الكثير من أوراق القوة على هذا الصعيد، لا سيما أنها تتشارك في مناطق سيطرتها مع فصائل المعارضة التي تُصنف "معتدلة"، في حين أن الأخيرة لا تزال حتى الساعة ترفض الإبتعاد عنها.

في المحصّلة، مؤتمر الآستانة المقبل لن يكون إلا محاولة جديدة لجمع الحكومة والمعارضة السورية على طاولة مفاوضات، برغبة روسية تركية واضحة، لكن الأكيد أن هذا المسار لم ينضج بعد بانتظار معرفة التوجهات التي ستكون عليها بعض الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة.