تردّد بعض الأوساط السياسية همساً معلومات حول تململ جمهورية مصر العربية من زيارة الرئيس ميشال عون إلى دولة قطر قبل القاهرة. بالمقابل، لم يصدر عن أي جهة رسمية مصريّة أي موقف بشأن زيارتي الرئيس اللبناني إلى المملكة العربية السعودية وإلى قطر. و لكن، العلاقة الآيلة إلى الطلاق بين مصر والسعودية من جهة، خاصة بعد إعلان المحكمة الإدارية العليا "مصريّة" جزيرتي تيران وصنافير؛ واتجاه السعودية نحو اللجوء إلى التحكيم الدولي بشأن هذه القضية، إضافة إلى تقارب الرياض والدوحة مع اثيوبيا ضد القاهرة في مسألة سدّ النهضة ، وانزعاج السعوديّة من مواقف القاهرة في مجلس الأمن الدولي (خصوصا حين صوتت الى صالح روسيا في الملف السوري)؛ ثم تأجيل القاهرة لقرار ادانة الاستيطان الإسرائيلي... كل ذلك، لم يكن في صالح لبنان. ذلك ان القيادة المصرية شعرت على ما يبدو بأن الرئيس عون ذهب ليس فقط الى السعودية وانما الى ألدّ اعدائها العرب حاليا أيّ قطر التي تشنّ ضدها حملة يومية بالسياسة او عبر محطّتها التلفزيونية.

كان لافتا تصريح وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في مقابلة تلفزيونيّة له، وردًّا على سؤال حول مبرر الزيارة الأولى لرئيس الجمهورية للمملكة السعودية قوله أنها تأكيد على العروبة. لربّما يؤيّده في ذلك قسمٌ لا بأس به من الفرقاء الشركاء في الوطن، ولا شكّ أن قسماً وأيضاً لا بأس بِه يعارضه بذلك، إنطلاقاً من فكرة انقسام العروبة بين عرب وعربان ومستعربين ومشرقيين.

فإذا كان في الأمر استعادة لعروبة او تعميق لها، فإنّ مصر أو سوريا أو العراق أو الكويت أو الجزائر أو غيرها، قد تسأل عما اذا كانت العروبة الجديدة بالنسبة للبنان باتت محصورة بالسعودية وقطر وهما كانتا خلال سنوات ما سمي بالربيع العربي طرفين في صراع المحاور ضد دول عربية أخرى وعملتا بقوة لتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية .

لا شكّ أنّ للرئيس ميشال عون نظرة حول هذه المسألة تنطلق من مصلحة لبنان أوّلاً أي المصلحة الاستراتيجية والوطنية المستندة الى تاريخ طويل وعميق من العلاقة بين القاهرة وبيروت .

صحيح أن مصر قد تطرح اليوم أكثر من تساؤل عند فريق لبناني متحالف عضويا مع عون. يتعلق الأمر خصوصا بالصراع مع اسرائيل والعلاقة المصرية مع الفلسطينيين واعتقال القاهرة سابقا لعدد من أعضاء "حزب الله" بتهم مختلفة، ومتعلق أيضا بحجم التعاون المصري الاسرائيلي في سيناء، والمتزايد منذ تولي الرئيس ​عبد الفتاح السيسي​ شؤون الحكم، ثم ان مصر اليوم مترددة (حتى الآن) في اعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق ...لكن هذا الفريق اللبناني ورغم كل ما تقدم، لا يزال يفضّل مصر على السعودية من منطلق أن الرياض كانت طرفا في الصراع ضده وضد ايران.

إنّ مصر دعمت وحدة لبنان سياسيا خلال حقبات عدّة، وكذلك في مرحلة إعادة الإعمار خصوصاً عبر شبكة الربط الكهربائي في مختلف محافظات لبنان. وكذلك الامر بالنسبة للملف الإقتصادي، فالتعامل التجاري ناشط بين البلدين وفي مصر استثمارات لبنانية هامة ومنها مثلا: انه في أيّار من العام 2015 أعلن مبادرة "مصر-لبنان إلى أفريقيا" كنواة للتعاون الإقتصادي والتجاري بين البلدين في القارة الأفريقية.

وفي تشرين الثاني من العام 2008 وفي قمّة الرئيسين المخلوع حسني مبارك والسابق ميشال سليمان، أكّد الأوّل على دعم مصر للجيش اللبناني الّذي هو صمَام الأمان للدولة اللبنانية .

اليوم، وعدت السعودية بتحرير الهبة التي كانت مقررة لدعم ​الجيش اللبناني​، هل تفي بوعدها؟ أم لدى مصر مشروع دعم للجيش اللبناني يتحضّر فتسبقها؟

هل بعد الخليج؛ زيارة الرئيس عون إلى مصر؟ أم أن الطريق الى ايران وسوريا أقرب؟ بعض المعلومات كانت قالت أن القاهرة انزعجت من عدم ايلائها الاولوية في الزيارات الرئاسية. وقالت أيضاً ان القاهرة حين أوفدت وزير خارجيتها الى لبنان، ثم حين استقبل الرئيس السيسي وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل؛ إنَّما كانت على يقين بأنّ الزيارة الاولى ستكون الى مصر، ربما لذلك تمّ التعبير عن الانزعاج لاحقا بتأجيل الزيارة وبتحديد موعد في آخر الشهر بذريعة ان أمام الرئيس السيسي مواعيد كثيرة قبل ذلك.

من الطبيعي ان يكون الرئيس عون راغبا في جذب استثمارات خليجيّة وفي اعادة الجسور، ولعله نجح الى حد بعيد في ذلك (رغم بعض المقالات الخليجية المشكّكة)، لكن من الطبيعي أيضا ان تبقى القاهرة الى جانب لبنان في ورشته المقبلة وألاّ تشعر أن لبنان يدخل دون ان يدري لعبة محاور جديدة.

فهل يرطّب عون الاجواء مع القاهرة ويزورها ويزيل كل الغبار قريبا كما فعل مع السعودية وقطر؟ على الأرجح نعم.

يبقى أن الرئيس العماد ميشال عون هو اليوم رئيس كل اللبنانيين ويبقى أنه أمل مسيحيي المشرق .لا سيّما مع تداول معلومات منقولة عن أوساط دبلوماسية تؤكّد أنّ الفاتيكان يشرّع أبوابه لاستقبال الرئيس القوي.