بدأ استحقاق الانتخابات النيابية يقرع الابواب السياسية، مع التشديد المحلي والاقليمي والدولي على اجرائها في موعدها دون تلكوء او ذرائع تفضي الى التمديد او التجديد. وعلى الرغم من ان حصول هذه الانتخابات يصب في صالح الجميع، لكن الخلاف الاساسي يكمن في القانون الذي غالباً ما يفصّله السياسيون على احجامهم لضمان حضور وازن في المجلس النيابي.

منذ التمديد للمجلس النيابي الحالي، كان الشرط وضع قانون انتخاب في اسرع وقت ممكن، ولكن المسألة ركبت امواج الحرب في سوريا والتغييرات في المنطقة والاحداث الارهابية والفراغ الرئاسي، الى ان وصلت الى شاطىء الاستحقاق الانتخابي النيابي بعد ان تمت الانتخابات الرئاسية. هنا، عادت الامور الى نقطة الصفر، فكل طرف اخذ يشد الحبل الى ناحيته لتأمين ما يرغب فيه من حضور، وكانت قوانين عدة وطروحات ساهم تشعبها في التأكيد على استحالة التوافق على قانون واحد.

اللافت ان القانون النسبي يحظى بتأييد قوى فاعلة على الساحة المحلية وفي مقدمها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله، حتى ان رئيس الحكومة سعد الحريري لم يغلق الباب امام هذا الطرح بل فتحه على مصراعيه وكاد ان يوافق عليه تماماً، فما الذي يمنع اقراره؟

حين وجد مؤيدو الستين (وهم كثر) انهم يواجهون موقفاً عصيباً، تقدموا بثبات نحو خطة بديلة قضت باستقطاب الناس عبر تغيير غير جذري في الستين، اي تجميله بعض الشيء عبر ادخال بعض التعديلات الطفيفة التي تقيهم شر القانون النسبي. هذا الامر نجح بالفعل، وحصد الطرح نجاحاً مهماً، جعل كل من يؤيد النسبي يفكّر بالامر نفسه، وهذا ما حدا بالقول ان النسبية يمكن ان تعتمد بشكل مختلط، علّها تساهم في تهدئة خاطر المتخوفين منها. ولكن هذا الامر شجّع مؤيدي الستّين على المضي قدماً في الترويج لهذا القانون، ولم يلاقوا معارضيهم في منتصف الطريق، بل انطلقوا لاستمالة عدد اكبر من الناس. اليوم، لا شك ان قانون النسبيّة يعاني، وهو لم يجد من يشفع فيه، ولعبة الوقت لا تسير لصالحه. يعتمد المراهنون على هذا القانون على مبدأ اندفاع الرئيس عون ومن يؤيده لتحويله الى أمر واقع، ولكن هذا الاندفاع الذي نجح في تخطي الكثير من العقبات، قد لا يكون كافياً لتخطي عقبة العوائق السياسية التي تحول دون وصول النسبية الى افكار وعقول وقلوب الناخبين. لا يزال السياسيون في لبنان على اختلافهم يبحثون عما يرضيهم، والواقعية تشير الى ان الجميع، بمن فيهم عون وبري وحزب الله لا يخسرون اذا ما تم اعتماد قانون الستين. صحيح ان رئيس الجمهورية قد يبدو وكأنه عانى من انتكاسة بسبب عدم قدرته على تأمين وعده بانجاز قانون انتخابي جديد، ولكن الحل لهذه المعضلة موجود وجاهز، وهو ان يداً واحدة لا تصفق وبالتالي لا يمكنه وحده ان يقوم بكل شيء، وهو بحاجة لتعاون الجميع معه في هذا المجال.

الخاسر المعنوي الثاني سيكون التحالف بين ​القوات اللبنانية​ والتيار الوطني الحر، فالوعد باكتساح المقاعد وفق النسبيّة قد لا يتحول الى امر ملموس، ولكن الحصة المسيحية الوازنة لا بد وان تكون من نصيبهما في المجلس النيابي العتيد. وعلى قاعدة "لا يفنى الغنم ولا يموت الذئب"، سيسجّل للعهد اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وستحظى كل القوى الفاعلة في لبنان بتمثيل اعتادت عليه ولن يؤثر على مستقبلها السياسي، فيما الخاسر الاكبر سيكون دون شك الناخبون الذين كانوا يمننون النفس بالدخول في معترك انتخاب وفق قانون جديد عصري يماشي الحقبة التي نعيش فيها وليست تلك التي تم فيها فرض هذا القانون على اللبنانيين كمخرج مناسب لهم.