من حيث المبدأ، من المفترض أن تكون الإنتخابات النيابية المقبلة هي الملف الأبرز على الساحة اللبنانية، في الوقت الراهن، لكن كل المؤشرات توحي بأنها لن تكون محطة مفصلية في المسار السياسي، إنطلاقاً من الإتصالات والمشاورات القائمة بين مختلف الأفرقاء الفاعلين.

المعضلة الرئيسية على هذا الصعيد، تنبع من غياب المعايير الواضحة لوضع قانون الإنتخاب، في ظل إعتراف الأغلبية بأن قانون الستين الحالي لا يؤمّن صحة وعدالة التمثيل، نظراً إلى أن الهدف، الذي ينطلق منه كل فريق في البحث، هو كيفية الحفاظ على حصته الحالية أو زيادته قدر الإمكان أو على الأقل الحد من الخسائر الممكنة.

بناء على ذلك، يمكن فهم غضب رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ من أي طرح نسبي أو مختلط، حيث يعتبر "البيك" أن أفضل الخيارات بالنسبة له هي الحفاظ على القانون الحالي، وهو لم يتردد في التراجع عن تأييده المختلط بعد أن وجد أن هناك مروحة واسعة من الأفرقاء الراغبين في التضامن معه، ليس إنطلاقاً من الحرص عليه فقط، كما حاولوا الإيهام، بل للحفاظ على مصالحهم أيضاً، وهو ما كان عبر عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بشكل واضح، من خلال قوله: "المتباكون على جنبلاط لا يبكون الإمام الحسين بل هريسة الستين".

في السياق نفسه، يأتي هاجس رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، الذي كان يرفض البحث في أي طرح نسبي في السابق، تحت عنوان: "عدم القدرة على تطبيق هذا النظام في ظل هيمنة السلاح"، لكنه عاد إلى التراجع بعد الشيء من خلال الإنفتاح على المختلط، خصوصاً أن تيار "المستقبل" سبق له أن تقدم بمثل هكذا إقتراح، بالتعاون مع حزبي "القوات اللبنانية" و"التقدمي الإشتراكي"، إلا أن ممثله في الحكومة، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، أكد أن إقرار قانون جديد ليس أمراً سهلاً، ومن المعلوم أن "الشيخ" يضع على رأس قائمة أهدافه الحفاظ على إحتكار تمثيل الشارع السني، في حين بات يواجه منافسة غير سهلة، بعد تنامي ظاهرتي وزير العدل السابق أشرف ريفي في مدينة طرابلس والنائب خالد الضاهر في منطقة عكار.

وفي حين تُصر الثنائية الشيعية، المتمثلة بـ"حركة أمل" و"حزب الله"، على الذهاب نحو إقرار قانون جديد، من خلال طرح النسبية على أساس الدوائر الموسعة أو المختلط المقدم من بري، لا يبدو أن هناك تهديداً لتمثيلها في شارعها فهي ستفوز بالأغلبية مهما كان القانون، إلا أن البحث الجدي يمكن أن يكون في الواقع على الساحة المسيحيّة، بعد أن كانت الأحزاب التي تمثلها أبرز الرافضين لقانون الستين، من "التيار الوطني الحر" إلى حزبي "الكتائب" و"القوات اللبنانية" وصولاً إلى تيار "المردة".

على هذا الصعيد، يتكل رئيس "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ على التحالف الرباعي، الذي أعلن عنه قبل أيام، بين "الوطني الحر" و"المستقبل" و"الإشتراكي" و"القوات"، للعمل على رفع عدد أعضاء كتلته النيابية، في حين أن رئيس "الكتائب" النائب سامي الجميل يقترح الذهاب إلى الدوائر الفردية، الذي يؤمن له الحفاظ على حصته النيابية بعد التحول الذي طغى على التحالفات السياسية، وهو يتسلح بموقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي كان قد تحدث في خطاب القسم عن إقرار قانون جديد للإنتخابات.

في ظل هذا الواقع، يتسلح أغلب الرافضين لـ"الستين" برئيس الجمهورية، ليس "الكتائب" وحده، ويصرون على إعتبار إجراء الإنتخابات على أساس القانون الحالي طعنة في صميم العهد الجديد، في وقت يهدد "الوطني الحر" بـ"ثورة على الستين" بعد أن كان نجح، من خلال رفع السقف، بإجبار باقي الأفرقاء على الإلتزام بالتسوية الرئاسية التي طرحها منذ اليوم الأول، لكن الخيارات أمامه محدودة، فهو لا يستطيع تعطيل أي نصاب لمنع حصولها، في ظل إصراره على إجرائها في موعدها، في حين أن المهل المحددة لم تعد طويلة بل هي مجرد أسابيع.

في المحصلة، لم يعد من السهل إتفاق الأفرقاء على قانون جديد للإنتخابات، بعد أن عجزوا عن الأمر على مدى سنوات، وأقصى ما يمكن توقعه هو إدخال "تجميل" على الحالي، فلا أحد يوافق على طرحٍ يدرك مسبقاً أنه سيفقده شيئاً من حصّته، ولكن ماذا سيكون المخرج في حال صحّت التوقعات بأن الإستحقاق الدستوري قائم في موعده؟