لا أريد أن أسرد ظروف وقوانين الإنتخاب التي أُقرّت منذ الإستقلال حتى اليوم، لكن الذي يهمّ الناس أكثر هو القانون المعمول به حالياً والذي عُرف ب​قانون الستين​، اي الّذي أقرّه المجلس النيابي في العام 1960.

منذ قيام جمهورية الطائف وحتى اليوم، خضع لبنان لثلاثة قوانين إنتخاب، ففي العام 1992، لم "يكن بالإمكان" إقرار قانون جديد للإنتخابات، وأُجريت الإنتخابات على أساس قانون الستّين، لكن في العام 1996، وسعياً وراء تطبيق إتفاق الطائف فيما يتعلق بقوانين الإنتخاب، أقرّ المجلس النيابي قانون إنتخاب على أساس المحافظة دائرة إنتخابية بالنظام الأكثري، بإستثناء جبل لبنان الذي قُسّم دوائر إنتخابية على اساس القضاء، لإرضاء نافذين يحكمون بإسم الوالي السوري وسطوته. أما في العام 2000، فجرت الإنتخابات على أساس قانون "غازي كنعان" الشهير، برسم دوائر إنتخابية تضمن فوز أزلام الإحتلال بغالبية بالأكثرية الساحقة من المقاعد النيابية، لنعود بعد إتفاق الدوحة الشهير، لإعتماد قانون الستّين الذي عُدّ نصراً لفئة سياسية معينة وجرت الإنتخابات في العام 2009 على أساس هذا القانون.

منذ ذلك الوقت ومجلسنا النيابي العظيم لم يحاول ولو مرّة واحدة بجدية، إقرار قانون إنتخابي يضمن عدالة التمثيل، فالمجلس الذي مدّد لنفسه ثلاث مرّات متتالية لولاية كاملة منذ العام 2013، ولأسباب لا تمتّ إلى المنطق بصلة، والنواب الذين لم يُقروا قانوناً جديداً للإنتخابات خلال 8 سنوات، لن يُقرّوا هذا القانون خلال بضعة أيام، والسؤال يبقى: لماذا لا يُقرّ المجلس قانوناً جديداً يضمن عدالة التمثيل مع أن غالبية القوى السياسية أعلنت أنها ترغب في ذلك، والسؤال الثاني: ما هو القانون الذي يضمن عدالة التمثيل؟

إن القانون الذي يضمن عدالة التمثيل هو القانون النسبي الذي يسمح بتمثيل الأقليات السياسية، والدائرة المثلى للقانون النسبي هو لبنان دائرة واحدة، لماذا؟

لأنه مهما إختلف حجم الدوائر الإنتخابية، فإنها لا تتساوى فيما بينها على الأقل في عدد الأصوات، فكيف يعقل أن يفوز مرشح بـ13 ألف صوت (فريد المكاري في الكورة وستريدا جعجع في بشري) فيما يرسب مرشح آخر بـ42 ألف صوت (غسان الرحباني في المتن)؟ بذلك، كيف يكون اللبنانيون متساوين بالحقوق والواجبات أمام القانون بحسب المادة 7 من الدستور؟

ثم أن النائب في المادة 27 من الدستور يمثل الأمة جمعاء، فكيف يمثّل كل شرائح المجتمع اللبناني بينما هو فاز بأصوات ناخبي دائرته الضيقة؟

وفي النظام الأكثري كيف تفوز لائحة حازت على 51% من أصوات الناخبين، بينما الـ49% لا يجدون من يمثلهم؟

إن جعل لبنان دائرة واحدة في النظام النسبي يُلغي الخطاب الطائفي الذي هو علّة المجتمع، ول يعود المرشح يستنهض الغرائز الدينية والمذهبية في دائرته لكسب الاصوات، بل هو مُجبر على إعتماد الخطاب الوطني الجامع بين كل التوجّهات الفكرية والسياسية، فتسقط إحدى أهم اسباب تدمير النسيج الإجتماعي اللبناني.

وإعتماد لبنان دائرة واحدة مع النسبيّة، يُلغي المحادل الإنتخابية ويسمح بتمثيل الأقليات السياسية ضمن الطوائف والمذاهب، فلا يعود للطائفة "زعيماً" واحداً أوحد ينطق بإسمها و"يُحصّل" حقوقها ويُلغي كل الأقليات السياسية في طائفته.

المشكلة تنحصر في أن غالبية الكتل السياسية تُعلن عكس ما تُضمر، وحده النائب وليد جنبلاط كان صريحاً منذ البداية إذ أعلن أن لا مكان للنسبيّة في قاموسه، كون كتلته السياسية ستتناقص إذا إعتُمدت الدوائر الكبرى مع النسبيّة. لكن في الحقيقة أن الجميع يوافق جنبلاط ضمناً، ويُعلن عكس ذلك لأن النسبيّة تسمح بتمثيل الأقليات السياسية على حساب "الأكثريات" السياسية في الطوائف والمذاهب.

"حلّنا بقا نصدّق" أن هكذا مجلس، لا يسعى بتاتاً لإقرار قانون إنتخابي يضمن عدالة التمثيل، فالذي مدّد لنفسه مرّات عدّة دون حجج منطقية، والذي ماطل ثماني سنوات لعدم إقرار قانون إنتخابي عادل، لن يُقرّه في بضعة ايام. فوزير الداخلية مُلزم بدعوة الهيئات الإنتخابية قبل موعد نهاية ولاية المجلس بستين يوماً، والمدّة التي تفصلنا عن موعد الإنتخابات لا تسمح بإقرار قانون جديد، وعليه فإن مصداقيّة العهد الجديد هي على المحكّ لأنّ رئيس الجمهورية أعلن مراراً أنه يعمل لإقرار قانون جديد للإنتخابات. لكن بين رغبة رئيس الجمهورية و"مصلحة" زعماء الطوائف والمذاهب تضيع المدّة، ويدعو وزير الداخلية الهيئات الناخبة وفق القانون النافذ... لذلك: "لا بقا تكذّبوا علينا يا شباب، وَ عَ الستين يا بطّيخ"...