لن يكون تاريخ العشرين من كانون الاول 2017 كغيره من التواريخ في روزنامة الاحداث العالمية، فسيبقى محفوراً انه اليوم الذي تولى فيه ​دونالد ترامب​ رئاسة الولايات الاميركية بشكل فعلي. دقت ساعة الحقيقة، ولم يعد من المفيد المماطلة او التهرب من الامر الواقع، وعلى العالم ان يتعامل مع شخصية غير تقليدية قد تكون سبباً في تغيير مسار العلاقات بين الدول من جهة، وطبيعة التعامل بين اميركا وغيرها من البلدان من جهة ثانية.

اميركا ستستقبل ترامب بانقسام كبير لم يشهد له مثيلا، فحتى داخل الحزب الجمهوري هناك من يعارض الرئيس بشدة بسبب افكاره وطروحاته، ويتخوف الكثيرون من ان تكون التهديدات الامنية التي ستلاحق ترامب، اقله في الفترة الاولى للولاية، اكبر من تلك التي لاحقت سلفه باراك اوباما بسبب عرقه الاسود. وما يزيد من هذا التخوّف هو المرحلة الدقيقة التي عانى منها جهاز الحرس الرئاسي او ما يعرف بالـ"جهاز السري" Secret Service حيث لا تزال الخروقات الامنية التي حصلت في البيت الابيض ماثلة في اذهان الكثيرين داخل اميركا وخارجها.

واضافة الى الهمّ الامني، على الاميركيين ان يتعاطوا مع الهمّ الاجتماعي، ومعرفة ما اذا كان ترامب سيعمل فعلاً على تمييز الطبقة الغنيّة كما يخشى البعض، ام انه سيقيم وزناً مهماً للطبقة المتوسطة والفقيرة. ولا شك ان المسألة الشائكة والمخاوف المتعاظمة تكمن ايضاً لدى الاميركيين المهاجرين ونظرة ترامب اليهم بعد التصريحات الغامضة التي تركت اثراً سلبياً لدى هذه الاوساط، وصورة ضبابية عن مستقبلها في الولايات المتحدة.

اما على الصعيد السياسي، فالمشكلة ايضاً حاضرة، تبدأ بالعلاقة مع ​روسيا​ ولا تنتهي بالعلاقات مع اوروبا والشرق الاوسط. يسلّم الجميع بأن صفحة جديدة من العلاقات ستبدأ بين واشنطن وموسكو وهو امر يقلق الكثيرين خصوصاً الاميركيين الذين يرون في روسيا منافساً جدياً لهم في المجال السياسي والعسكري، اضافة الى ان شبكة العلاقات التي نسجتها مع الصين وايران، تجعل منها خطراً على السيطرة الاحادية على العالم التي تزعمتها اميركا في الحقبة الاخيرة. ولا يرغب الاميركيون في تقاسم هذه السيطرة مع روسيا او غيرها، لذلك ينظرون بعين الشك الى التمدد الروسي في الشرق الاوسط وسحب الورقة الاميركية منه شيئاً فشيئاً، واعادة كتابة مرحلة جديدة من مستقبل المنطقة بقلم روسي.

اما مع اوروبا، فقد ظهر الاختلاف حتى قبل تولي ترامب مهامه الرئاسية رسمياً، حيث بدأ الاوروبيون يتأقلمون مع امر واقع مفاده انهم باتوا "يتامى" في ظل رفع الغطاء الاميركي عنهم، ولن يلقوا الدعم السياسي اللازم في مواجهتهم مع روسيا من جهة (قضية حلف شمال الاطلسي والشكوى الروسية من تعزيز هذا الحلف في اكثر من دولة اوروبية)، وتولّيهم للشؤون الدولية من جهة اخرى. ولا شك انه اذا ما تكرّس الاختلاف في الرأي بين الطرفين، فإن الاوروبيين سيلاقون صعوبة في الاعتياد على الوضع الجديد خصوصاً وسط المشاكل التي تعصف بهم على اكثر من صعيد، ولكن في المقابل، قد تجد اميركا نفسها في مرحلة تقوقع على الصعيد الدولي لن يريحها على المدى البعيد.

وفي ما خص الشرق الاوسط، فمن شبه المؤكد ان واشنطن باتت تحتاج الى عمل مضاعف لاعادة لمّ الشمل العربي حولها اولاً، واعادة نفوذها الى المنطقة ثانياً، حيث يظهر بوضوح ان تركيا ابتعدت عن السرب الاميركي فيما ايران لم تقترب منه كما كان متوقعاً بعد الاتفاق النووي، وتنتظر الدول العربية الصورة الواضحة لما ستؤول اليه الاوضاع لمعرفة مصيرها، فيما ستبقى اسرائيل الرابح الاكبر لان الادراة الاميركية الجديدة اكثر قرباً منها ولن تضع عوائق امام الحكومة الاسرائيلية لان خططها في المنطقة شبه مجمدة.

تعقيدات كثيرة تضرب موعداً مع اليوم الاول لبدء ولاية ترامب الرئاسية، فهل تبدأ بوادر الحلول في اليوم الثاني ام انها ستتأخر، وما هو الاساس الذي ستعتمده؟