لم تكن "القنبلة" التي فجرها وزير الخارجية الإيرانية ​محمد جواد ظريف​، بشأن الملف الرئاسي اللبناني، هي الأولى من نوعها، فالحديث عن التعاون بين طهران والرياض في هذا الملف قديم، ويمكن العودة إلى ما قاله المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني حسين عبد اللهيان، في اليوم الأول من شهر تشرين الأول من العام الماضي، للدلالة على ذلك، حيث لم يتردد في التأكيد بأن تحرك رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، لتأمين إنتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حاصل على الموافقة السعودية.

حتى الساعة، لا تزال بعض القوى المحليّة، لا سيما رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، تُصر على وضع التسوية التي حصلت في إطارها المحلي، مع العلم أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان أول من نفى هذا الأمر، متحدثاً عن تسوية أميركية-إيرانية، لكن حتى يأتي الوقت الذي تُكشف فيه حقيقة ما حصل كاملة، هناك أسئلة من المفترض طرحها حول كلام ظريف الأخير، لا سيما أنه يأتي في لحظة إقليمية ودولية حرجة يسيطر عليها الغموض إلى أبعد حدود.

على هذا الصعيد، لم يأت كلام وزير الخارجية الإيراني عن التسوية الرئاسية في سياق حديث عن الأوضاع اللبنانية، بل لدى تطرقه لمستقبل العلاقات بين طهران والرياض، في المنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس الذي كان في غالبه بصورة أسئلة وردود، حيث أكد أنه لا يرى سبباً ليكون هناك سياسات عدائية بين إيران والسعودية. وقبل ذلك، كان هناك حديث لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، عن أن طهران لا تسعى إلى إسقاط النظام السعودي إنما تحرص على منع محاولات إسقاطه، من منطلق أن الخيار الأول قد يؤدي إلى تقسيم السعودية وسيطرة الفكر المتطرف على أجزاء مهمة منها، ما يعني أن كلام وزير الخارجية الإيراني يجب أن يوضع في إطار العلاقات بين طهران والرياض بشكل أساسي، للبحث عن أسباب إرسال هذه الرسالة الدبلوماسية في هذا التوقيت، في ظل الصراع الذي يسيطر على العلاقة بين الجانبين منذ سنوات.

في هذا السياق، لا يجب إستبعاد كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخير، عن أن الحكومة السورية كانت لتسقط، خلال أسبوعين أو ثلاثة، لولا تدخل بلاده في الحرب الدائرة هناك، قبل أيام قليلة من إنعقاد مؤتمر الآستانة الذي يجمع وفدين من الحكومة والمعارضة السورية، حيث ظهرت على هامشه بوادر خلافات في وجهات النظر بين موسكو وطهران، لا سيما بعد التقارب الكبير في العلاقات الروسية التركية في الآونة الأخيرة، كان آخرها الموقف من توجيه الدعوة إلى الولايات المتحدة.

بالتزامن، لا يجب إهمال فوز المرشح الجمهوري ​دونالد ترامب​ بالإنتخابات الرئاسية الأميركية، حيث سيتم تنصيبه اليوم رسمياً، نظراً إلى أن رجل الأعمال المثير للجدل يحمل برنامج عمل معادٍ لطهران، وهو لم يتردد بالعديد من المناسبات في طرح رغبته بإعادة النظر بالإتفاق النووي الموقع معها، في حين أن مواقفه من البلدان الخليجية ليست مريحة بالنسبة إلى الأخيرة.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن العلاقات الإيجابية، بين الرياض وطهران، قادرة على معالجة الكثير من ملفات المنطقة العالقة، من سوريا إلى اليمن إلى البحرين إلى العراق، بالرغم من أن بعض وسائل الإعلام السعودية لم تتعاطَ بايجابية مع موقف ظريف الأخير، لكن الأكيد أن كل دولة منهما ترى أنها قد تخسر أكثر في حال إستمر الصراع في المنطقة على ما هو عليه، لا سيما مع تعدد وتداخل اللاعبين الدوليين والإقليميين، إلا أن حجم حائط السدّ الذي ارتفع بين الجانبين لا يمكن هدمه بسهولة، لا سيما بعد أن أخذ منحًى مذهبيًّا خطيرًا تحولت معه العلاقة بينهما إلى عدائية.

في المحصلة، الأيام المقبلة ستكشف إمكانية حصول أي تطور جديد على مستوى العلاقات السعودية الإيرانية، يقود ربما إلى التخفيف من الإحتقان على مستوى منطقة الشرق الأوسط، في ظل التحولات المنتظرة على الساحتين العالمية والإقليمية.