أن يعلن عضو كتلة ​القوات اللبنانية​ النائب أنطوان زهرا من مجلس النواب عزوفه عن الترشح لدورة إنتخابية ثالثة عن أحد المقعدين المارونيين في البترون، لأمر شكّل مفاجأةً بالنسبة الى شريحة واسعة من الرأي العام اللبناني، لكنه وفي قراءة البترونيين خصوصاً والشارع القواتي بشكل عام، لم يعتبر أكثر من إعلان قرار حزبي وشخصي منسّق ومتخّذ مسبقاً، وتحديداً منذ حوالى سنة تقريباً، بين قيادة القوات والنائب زهرا.

حكاية عدم ترشيح زهرا بدأت مع تفاهم معراب الذي طوى صفحة الخلافات السياسية والحروب العسكرية بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون وقائد "القوات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​، وتحديداً بعدما أصبح أكيداً أن الثنائي المسيحي العوني-القواتي الذي خاض متحالفاً الإنتخابات البلدية الأخيرة ثم معركة رئاسة الجمهورية وعملية تشكيل الحكومة، لن يترشح الى ​الإنتخابات النيابية​ على مستوى لبنان، إلا متحالفاً أيضاً.

في البترون حيث ترشح زهرا وفاز خلال دورتي 2005 و2009، تدور المنافسة حول مقعدين مارونيين، جرت العادة ككل الأقضية اللبنانية، أن ينتخب نائب منهما من الجرد وآخر من المنطقة الساحلية. في زمن "14 آذار"، كان ترشيح زهرا ضرورياً بالنسبة الى القوات، كونه من بلدة كفيفان، وحليفه الأساسي السابق، كان النائب ​بطرس حرب​، إبن بلدة تنورين الجرديّة. هذا في الزمن الآذاري، أما اليوم، وبعد تغيير التحالفات والمعادلات والتوازنات، وفي زمن أصبح فيه رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ حليف القوات الإستراتيجي في البترون، فلم يعد بالإمكان قواتياً ترشيح زهرا الى جانب باسيل والإثنان من منطقة الساحل، وأصبح من الضروري جداً في حسابات "القوات" و"التيار" كي يصبح حرب نائباً سابقاً في الإستحقاق المقبل، أن يشارك باسيل في اللائحة مرشح قواتي من الجرد وتحديداً من تنورين البلدة الأكبر بترونياً من حيث عدد الناخبين.

هذا الطرح الإنتخابي المتعلق بتشكيل اللائحة البترونية، لم يخلق أي مشكلة لدى قيادة القوات، لأكثر من إعتبار:

أولاً، لأن الثقل الإنتخابي القواتي في البترون يتركز في قرى جرد البترون ووسطها كتنورين الفوقا والتحتا وحردين وشناطا وديربللا وبشعلة الخ... وفي صناديق هذه القرى تحديداً، كان الناخبون القواتيون يحققون فارق الأصوات على باسيل، لمصلحة زهرا وحرب، على عكس قرى الساحل التي تقترع عادة لمصلحة "التيار الوطني الحر" وحلفائه.

وثانياً، لأن للقوات إسم بارز في الجرد بين مرشحيها المطروحين بترونياً، وهو شبه حاضر إنتخابياً وخدماتياً، ألا هو الدكتور وليد حرب، مدير مستشفى تنورين الحكومي، وهو الذي كان أحد أبرز المسؤولين في الماكينة الإنتخابية القواتية خلال الإنتخابات البلدية الأخيرة.

إذاً، مفاجأة زهرا لم تكن كذلك بالنسبة الى القواتيين، خصوصاً أنه لطالما ردّد في المجالس الحزبيّة الداخليّة، إقتناعه بضرورة الإتيان بوجوه جديدة وعدم الابقاء على نائب حزبي لأكثر من دورتين. المفاجأة كانت فيما لو ترشّح زهرا منفرداً ضد لائحة حزبه، وهذا ما لم يكن وارداً على الإطلاق.