ليس جديداً الحديث عن مسار العلاقة بين "حزب الله" و"​القوات اللبنانية​" التي مرّت بالكثير من محطّات "الهبوط والصعود" على مدار السنوات القليلة الماضية، إلى أن سجّلت في الآونة الأخيرة ما يشبه "الهدنة"، التي يتخلّلها بعض "المديح الخجول" من هذا الجانب أو ذلك، بين الفينة والأخرى.

ولكنّ الجديد تمثّل في اللقاء الثنائي الذي جمع وزير الإعلام ملحم رياشي، المحسوب على "القوات اللبنانية"، ورئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب ​حسن فضل الله​، المحسوب على "حزب الله"، وإن أتى من بوابة "إعلامية" لا "سياسية". فهل يمكن القول أنّ الحوار بين الجانبين انطلق ولو بوتيرةٍ بطيئة؟

حوار "محظورٌ"؟

بدايةً، لا شكّ أنّ العلاقة التي تجمع اليوم بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية" هي الأفضل تاريخيًا، وإن لم ترتقِ بعد لمستوى "الحوار الحقيقي"، سواء كان مباشراً أو غير مباشر، ويكفي للدلالة على ذلك التوقف عند "الإيجابيات" التي رُصِدت بكثافة في الأشهر القليلة الماضية بين الجانبين. وإذا كان الخطاب الشهير الذي خرج به الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، واعترف فيه بحيثية "القوات" وحضورها، شكّل نقطة الفصل في هذه العلاقة، بعد أن كانت قد وصلت إلى ذورة التوتر، فإنّ مسؤولي "القوات" بادلوا الإيجابية بمثلها، وعلى رأس هؤلاء رئيس الحزب ​سمير جعجع​ نفسه، الذي ذهب لحدّ القول أنّ الحزب "قاعد عاقل"، في أحد تصريحاته.

ولكن، وعلى الرغم من أنّ "حزب الله" منخرطٌ في حواراتٍ سياسيّة مع معظم مناوئيه وخصومه في الداخل اللبناني، إلا أنّ الحوار مع "القوات اللبنانية" لا يزال لغاية تاريخه من "المحظورات"، أو هو محصورٌ على الأحوط وجوبًا بـ"الضرورات" التي تقتضيها "الزمالة" التي تجمع الفريقين داخل برلمانٍ واحدٍ أو في قاعةٍ حكوميةٍ واحدة، الأمر الذي يتطلب بعض التنسيق والمتابعة من الجانبين، وهو ما يندرج في سياقه اللقاء الذي جمع الوزير رياشي والنائب فضل الله قبل يومين، والذي قيل أنّ السياسة كانت غائبة عنه، وإن حضرت "ملائكتها".

ومع أنّ جهودًا مضنية بُذِلت تحديدًا من قبل "التيار الوطني الحر" لفتح قنوات اتصال بين "حليفيه"، وخصوصًا بعد توقيعه ورقة إعلان النوايا مع "القوات اللبنانية"، إلا أنّ اعتباراتٍ كثيرة لا تزال تدفع الحزب إلى أن ينأى بنفسه عن مثل هذا التواصل، بدليل رفضه الانخراط مع "القوات" في تحالفٍ انتخابي واحد بشكلٍ مُطلَق، وتكراره أنّه ملتزمٌ أخلاقيًا مع حلفائه، لا مع "حلفاء حلفائه"، في إشارة لا لبس فيها إلى "القوات". ولعلّ هذه "الأخلاقيات" نفسها هي التي تتصدّر اعتبارات الحزب لينحو هذا المنحى، وذلك لجهة حرصه على مشاعر ومعنويات الكثير من حلفائه، الذين يقترن تاريخهم مع "القوات" بالدم، ويرفضون بسبب ذلك طيّ صفحة "الحرب".

ماذا عن النتائج؟

انطلاقاً من كلّ ما سبق، وعلى الرغم من كلّ الإيجابيات المرصودة، لا يبدو أنّ الحوار بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية" قد وُضِع على نارٍ حامية، كما يحلو للبعض القول، بل هو يبدو في أحسن الأحوال مؤجَّلاً حتى تنضج ظروفه، التي تبقى غير مؤاتية حتى إشعارٍ آخر. ولكن، في المقابل، قد لا يكون مبالَغًا به القول أنّ هذا الحوار حقّق غاياته المعلنة والمضمرة قبل أن يبدأ حتى، خصوصًا إذا ما قورن بحواراتٍ أخرى لم تنجح في تحقيق ولو جزءٍ يسير ممّا تحقق بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية".

وفي هذا السياق، يمكن التوقف عند الحوار اللبناني "الأشهر على الإطلاق" الذي يجمع "حزب الله" و"تيار المستقبل"، إذ إنّ هذا الحوار، الذي يستمرّ في الانعقاد في ​عين التينة​ بصورةٍ دوريّة، لم تكن له نتائج ملموسة لجهة تقليص الهوة الآخذة في الاتساع بين الجانبين، وخصوصًا على المستوى الشعبي. وبالتالي، فإنّ النتيجة الأساسية التي تحققت من هذا الحوار كانت "فضّ النزاع"، تمامًا كما أعلن القيّمون عليه.

ولا شكّ أنّ هذا الهدف تحقّق سلفاً من حوار "حزب الله" و"القوات اللبنانية"، بدليل أنّ مهمّة العثور على تصريحاتٍ هجومية خلال الأسابيع القليلة الماضية بين قياديي "الحزب" و"تيار المستقبل" أسهل بأشواطٍ كثيرة من إيجاد "اشتباكٍ واحد" بين الحزب و"القوات". وخير دليلٍ على ذلك أنّ رئيس حزب "القوات" سمير جعجع ألغى منذ مدّة "عادته" بتفنيد خطابات السيد نصرالله بنداً بنداً، كما تخلى عن خطابه القائل بأنّ الحزب لا يريد إنجاح العهد الرئاسي الجديد، وأنّ مشروعه الحقيقي هو الفراغ وقوامه انهيار المؤسسات.

ولأنّ الحوار بين جانبين لا يعني ذوبان أحدهما في الآخر بأيّ شكلٍ من الأشكال، بل تفهّم كلّ منهما للآخر، يمكن القول بأنّ الحوار الذي لم يحصل بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية" قد حقّق غاياته سلفاً، بعدما قلّصا مساحات "الاشتباك" بينهما إلى حدودهما الدنيا، حتى على الملفّات الاستراتيجية الكبرى، التي يدركان أنّ التباعد فيما بينهما فيها لا يفسد في الودّ قضية، وإن كان عميقًا جدًا، ومرتبطًا بالاصطفافات الإقليمية والدولية، التي يقف الحزب و"القوات" فيها على طرفي نقيض.

حوار من أجل الحوار؟

لا شكّ أنّ الحوار بين أيّ فريقين معارضين لبعضهما البعض إيجابيٌّ بحدّ ذاته، خصوصًا إذا عكس مقاربة متحضّرة إزاء الملفات الخلافية خصوصًا، ولكن لا شكّ أيضًا أنّ الحوار من أجل الحوار، والذي يختصر معظم الحوارات اللبنانية إن لم تكن جميعها، ليس هو المطلوب، فللحوار مقوّمات وشروط، ويفترض أن تكون له مقدّمات كما له تبعات.

أما أن تقتصر مهام الحوار على أخذ صورةٍ تذكارية، أو على إيهام الرأي العام بأنّ الحياة ورديّة، فهو تضييقٌ للحوار وآفاقه، وهو ليس ما يخدم المتحاورين، الذين يتحوّلون إلى التغريد في سربٍ، فيما جماهيرهم تغرّد من سربٍ آخر أوصلتها إليه قياداتها قبل أن تتلو فعل "التوبة"...