كشفت مصادر سياسية بارزة لـ«البناء» أنّ شروط التسوية بين تيار المردة والتيار الوطني الحر قد نضجت بعد مساعٍ قام بها الحاج وفيق صفا على خط كل من الوزيرين يوسف فنيانوس من جهة تيار المردة والوزير جبران باسيل عن التيار الوطني الحر، وأن تبلور عناوين هذه التسوية قد مهد للقاء الذي جمع امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بالنائب سليمان فرنجية زعيم تيار المردة تمهيداً لزيارة سيقوم بها فرنجية الى قصر بعبدا قريباً وعلى الارجح الاسبوع المقبل.

الزيارة بأبعادها المتشعّبة تحمل نتائج مباشرة على المصالحات التي تتخذ مجراها في بداية العهد وتبدّد هواجس انتخابية أساسية فيكون لقاء عون – فرنجية يعني ان القلق من تصادم بين تيار المردة والعوني لم يعد وارداً وأن الانتخابات النيابية ستجرى بالتشارك. فالتيار الوطني الحر لن يكون موضع تحدٍّ بعدما كان من المفترض أن يؤدي تحالف «القوات عون» الى نشوء لائحة بمنافسة فرنجية وهو ما لن يعود وارداً، خاصة ان الوطني الحر يؤكد ان التفاهم مع القوات اللبنانية في الانتخابات هو اتفاق «موضعي»، أي يترجم حيث عناصر القوة لكل طرف ما يعني أن زغرتا ليست جزءاً من الاتفاق، ولم تعد في «البترون» مشكلة بعدما سحبت القوات ترشيح النائب انطوان زهرا لتأمين وصول رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل للنيابة بإخلاء المقعد الثاني بالبترون له. اذاً «مرشح واحد للقوات والعونيين» في البترون هو باسيل من أصل المقعدين اليوم، ليبقى الثاني لمرشح مدعوم من فرنجية «بطرس حرب» على الأرجح.

مصالحات على قاعدة تفادي التصادم يسعى اليها المايسترو الاساسي الذي ادار اللعبة منذ أن مالت الدفة الرئاسية في البلاد لصالح مرشح حزب الله على ما يبدو. يعمل حزب الله اليوم على إزالة الألغام من المعادلة السياسية بما يجعل طريق الوفاق ضامنة للاستقرار ولا يوجد تطلعات عند اطراف لابتلاع حصص أطراف أخرى في حروب «إلغاء» وإقصاء بل هناك تثبيت مواقع تحفظ الجميع.

وعلى صعيد الخط الواحد كأبعد تقدير يبدو أن حزب الله قد نجح بلملمة الأفرقاء سريعاً بما يُعيد لمّ الشمل الذي فرق ما بين الحلفاء، خصوصاً بين المردة والتيار الوطني الحر منذ فترة بعيدة تعود الى انتخابات عام 2009، حيث وقع الخلاف بين الطرفين وبدأت الحساسيات الانتخابية منذ ذلك الحين فهل تعيد انتخابات عام 2017 ترميم ما هدمته انتخابات عام 2009 وصولاً حتى تدهورها أخيراً جراء المنافسة الرئاسية بين التيارين مؤخراً؟

من جهة اخرى، بدت مصالحة التيار الوطني الحر وحركة امل التي يقودها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مؤشراً على إيجابية المرحلة التي تغطي حلفاء حزب الله وتدفع بدعم العهد بما يتناسب مع ما يمكنه من تقديم أكبر قدر ممكن من الإنجازات للبنانيين بعيداً عن المناكفات الاساسية التي كانت تحكم الحركة السياسية وتعطل تسيير اعمال الدولة.

الاتفاقات والتعيينات والفضائح ايضاً كلها تصب في خانة نَفَس إصلاحي تبتغي الأفرقاء جميعها تقديمها لقواعدها الشعبية، لكن هذا يبدو في جزء أساسي منه جزءاً أساسياً مما تتطلبه العملية الانتخابية. فكشف الفساد في البلد هو بعض من نيات الاصلاح التي يقدمها الزعيم لقاعدته لتجديد الثقة لكن ماذا عن الثقة بالأحلاف؟

بدون شك لم يعد التقسيم السياسي على اساس فريقي 8 و14 آذار ممكناً بغياب الأخيرة. ففريق 14 اذار تفرّق بشكل ملحوظ بعد الانقسامات الحادة بين اطرافه الأساسية والأهم غياب القوة الخفية الجامعة التي كانت تعمل ليل نهار كماكينة قادت مرحلة برمتها منذ ما بعد اغتيال الحريري. تغيب التحالفات الإقليمية عن فريق 14 آذار بغياب اللاعب الأميركي عن الساحة السياسية اللبنانية المحلية وليس مستغرباً أن تتقدّم نيات المصالحات من احزاب مسيحية كبيرة ومتطرفة بالخلاف السياسي مع حزب الله وحلفائه من ايران وحلفائها كحزب القوات اللبنانية الذي استغنم فرصة التعزية بالراحل الشيخ هاشمي رفسنجاني بزيارة وزيرها بيار ابوعاصي للسفارة الإيرانية في بيروت في رسالة واضحة عن المرحلة المتقدمة التي قطعتها القوات اللبنانية بذهنية اعتبار ايران دولة إقليمية وزانة في المرحلة المقبلة، بدلاً من الدولة التي كانت معاقبة نووياً والتي يشن عليها العالم عزلة وحرباً سياسية واقتصادية.

المصالحات التي تغطي حلفاء حزب الله تحت مظلتها قد تكون مفهومة، وهي تكشف قدرة الحزب على التأثير إيجاباً في حلفائه وقدرة امين عام حزب الله على إحداث فارق سريع بتدخله على خط المصالحات فيصبح ضمانة لمرحلة برمّتها ليبقى أن تقارب الخصوم السياسيين مع حزب الله منه أو من «فلكه» محلياً «عون»، ودولياً إيران وربما سوريا مستقبلاً «ليس إلا ترجمة لتبدل مصيري بميزان القوى بدول المنطقة فالأحزاب اللبنانية تدرك اليوم مسألة التراجع الأميركي في سوريا وتأثير هذا على حضورها في لبنان ولو أن هذا وارد بفترة قريبة أي عودة الحضور الاميركي الى اليوميات اللبنانية مباشرة او عبر وكلاء عرب وخليجيين، كما كانت عام 2005 لما قطعت قوى مثل القوات اللبنانية شوطاً كبيراً بالتوجه نحو شركاء حزب الله والحزب برسائل ودية.

زمن المصالحات، «حقيقة» يعيشها اللبنانيون قبل الانتخابات النيابية وقد يعني اتفاقاً أسرع على شكل قانون الانتخاب.