أعادت محاولة التفجير الإنتحاري الفاشل في شارع الحمرا تذكير ال​لبنان​يّين بأنّ الخطر الأمني الإرهابي لا يزال حاضرًا بقوّة في لبنان، ولوّ بنسبة تقلّ عمّا كانت عليه في السنوات القليلة الماضية، في حين سلّطت عمليّة الخطف التي إستهدفت السيّد سعد ريشا في شتورا منذ بضعة أيّام، الضوء مُجدّدًا على إستمرار قُدرة العصابات المُسلّحة في البقاع على إستهداف أمن لبنان وإستقراره. فهل من حلّ قريب لهذين الخطرين الجاسمين على صُدور اللبنانيّين؟

لا شكّ أنّ الخطر المُتأتّي من "الخلايا الإرهابيّة" على لبنان واللبنانيّين يفوق بأضعاف الخطر المُتأتي من عصابات الخطف والسطو والإتجار بالمُخدّرات، لكنّ هذه الأخيرة تستنزف القوى الأمنيّة بمختلف مديريّاتها، وتتسبّب بهدر جزء كبير من العمل الإستخباري العام، ومن العمليّات الأمنيّة بشقّيها الإستباقيّ واللاحق، على قضايا وجرائم كلاسيكيّة، بدلاً من أن يكون كامل تركيز القوى الأمنيّة اللبنانيّة مُنصبًا على كشف "خلايا الإرهاب" وعلى إعتقال "الإرهابيّين". وعلى الرغم من أنّ قضيّة المخطوف ريشا حُلّت مرّة جديدة على "الطريقة اللبنانيّة"-إذا جاز التعبير، أيّ بفعل تدخّلات ووساطات أسفرت عن إطلاق المخطوف، من دون أن يتمّ إعتقال الخاطفين كالعادة، فإنّ الحسنة الوحيدة أنّ هذه العمليّة جاءت بمثابة "نقطة الماء التي أفاضت الكوب"، بالنسبة إلى السُلطات اللبنانيّة من جهة، وبالنسبة إلى العديد من الشخصيّات والزعامات السياسيّة وقوى الأمر الواقع أيضًا. وعُلم في هذا السياق، أنّ قرارًا إتخذ من قبل أعلى المرجعيّات بضرورة إجتثاث هذه الظاهرة بشكل جدّي هذه المرّة، بعد تسجيل أكثر من محاولة فاشلة في السابق، أبرزها الخطّة الأمنيّة التي تمّت في البقاع في شباط من العام 2015(1). وبحسب المعلومات فإنّ إجتماعًا أمنيًا رفيعًا سيُعقد في القريب العاجل، لوضع خطّة دهم واسعة النطاق سيُشارك فيها آلاف العسكريّين، لاعتقال أكبر عدد مُمكن من الفارين من العدالة والمطلوبين بجرائم تتراوح بين سلب السيارات وزرع المخدُرات وبيعها والقتل بأسلوب التصفية، مرورًا بالخطف مُقابل فدية والسطو المُسلّح والترهيب، وتزوير العملات والهويّات وجوازات السفر، إلخ. ومفتاح نجاح العمليّة الأمنيّة المُرتقبة في البقاع هذه المرّة سيتمثّل في عوامل عدّة:

أوّلاً: توقّع أن تُغطّي مساحة جغرافية واسعة من البقاع من دون أيّ موانع من أيّ نوع كان(2).

ثانيًا: حُصولها على "ضوء أخضر" مُسبق من أكثر من مرجع سياسي من الصفّ الأوّل، من دون وُجود أيّ عوائق طائفيّة ومذهبيّة هذه المرّة، ومن دون مراعاة لأيّ خصائص مناطقيّة أو عشائريّة.

ثالثًا: ستنطلق بساعة صفر لا يعرف بها سوى عدد قليل من كبار المسؤولين السياسيّين والأمنيّين، بعد إستكمال تحضير اللوائح الإسميّة بالمطلوبين، والخرائط المُفصّلة بالأماكن المشبوهة التي ستطالها المُداهمات.

رابعًا: سيتمّ تحريك الكثير من الوحدات العسكريّة الموجودة في المنطقة بشكل مُباغت، من دون تحضيرات لوجستيّة مُسبقة قد تفضح توقيت العمليّة، وقد تلفت نظر الإعلام إليها.

ومن عصابات الإرهاب الداخلي التي باتت مُتمادية في تحركاتها التي تنال من كرامة وأمن وإستقرار اللبنانيّين العُزّل، إلى "الخلايا الإرهابيّة" التي وعلى الرغم من تقلّص عددها بشكل ملحوظ في السنتين الأخيرتين، إلا أنّ خطرها لا يزال كبيرًا. ويكفي أن تنجح عمليّة واحدة، لخليّة صغيرة مكوّنة من مجموعة لا يتجاوز أعضاؤها عدد أصابع اليد الواحدة، لإيقاع عشرات القتلى والجرحى الأبرياء-لا سمح الله. وتعدّد الإحتمالات الإرهابيّة، من تفجير سيّارة مُفخّخة مُرورًا بتنفيذ عمليّة تفجير إنتحاري بحزام ناسف وُصولاً إلى تنفيذ عمليّة قتل عشوائي برشّاش، إلخ. يجعل المخاطر الأمنيّة كبيرة، ما لم يتم مُعالجة هذه الظاهرة من جذورها. وإذا كان صحيحًا أنّ تعمّد تسليم منصب وزارة الداخليّة إلى "تيّار المُستقبل" في الحكومتين الأخيرتين، يدخل في سياق رفع أيّ حزازيّة على عمل قوى الأمن الداخلي في مناطق مُحدّدة، فإنّ الأصحّ أنّ هذا الأمر غير كاف لرفع المخاطر، على الرغم من الجُهود الإستباقيّة الجبّارة التي تبذلها، مختلف القطع الأمنيّة والعسكريّة والإستخباريّة الرسميّة. والمُشكلة الكبرى تكمن بإستمرار توفّر بعض المُخطّطين لتنفيذ عمليّات إرهابيّة تستهدف الإستقرار اللبنانيّ، في ظلّ سهولة توفير التمويل المحدود اللازم لذلك، وعدم صُعوبة إيجاد بعض الإنتحاريّين من داخل بيئات مهزومة ميدانيًا ومعنويًا ومشحونة سياسيًا ومذهبيًا ومنغلقة عقائديًا، وهي تسعى إلى الإنتقام بأيّ طريقة مُتاحة، ولو من أبرياء لا ذنب لهم، ولا علاقة لهم لا بتدخّل ميليشاوي عسكري هنا، ولا ببقاء دكتاتور هناك، ولا بانقلاب موازين قوى إقليمية ودَولية هنالك! وبحسب المَعلومات المُتوفّرة فإنّ الحرب الإستخبارية الإستباقية التي تُنفّذ بنجاح منذ مدّة ضُدّ "الخلايا الإرهابيّة"، ستتكثّف في الأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة، نتيجة زيادة ملحوظة في الحركة "الداعشيّة" في لبنان، وبعد الحصول على إعترافات من موقوفين تُفيد عن تخطيط مُستمرّ لإستهداف مواقع غير محسوبة على طرف مُحدّد، بهدف ضرب الإستقرار العام، كما يحصل في تركيا على سبيل المثال لا الحصر.

في الخلاصة، يُمكن القول إنّه لم يعد مَقبولاً بقاء أيّ غطاء أو حماية سياسيّة أو طائفيّة أو مذهبيّة، لا للجماعات الإرهابيّة ذات الإنتماءات الإسلاميّة المُتشدّدة، ولا لعصابات القتل والنهب والخطف. وبالتالي، على السُلطة اللبنانيّة أن تتحرّك بحزم ومن دون تأخير، للقضاء على هذه الظواهر، والمطلوب من "تيّار المُستقبل" ومن "حزب الله" وغيرهما من القوى السياسيّة الداخليّة، تأمين غطاء كامل وغير مشروط لعمل الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة والقطع والوحدات العسكريّة الرسميّة، لإجتثاث هذه الأخطار من مَنابعها. وما لم يحصل ذلك في القريب العاجل، فإنّ عهد الرئيس العماد ميشال عون لن يكون عندها مُختلفًا عن أيّ عهد رئاسي آخر!

(1) شارك فيها في حينه نحو 2000 عُنصر أمني، لكنّها فشلت في تحقيق الأهداف المرسومة لها، نتيجة الطبل والزمر الذي سبقها ورافقها، بحيث فرّ المطلوبون جميعهم قُبيل إنطلاقها!

(2) ستشمل منطقة ​بعلبك​-حيّ الشراونة، وبعض القرى غربي مدينة بعلبك مثل بوداي ودار الواسعة، وصولاً إلى بريتال وحتى بعض القرى شرقي بعلبك، إلخ.