إنطلاقاً من الإنجاز الذي تحقق، عبر نجاح الأجهزة في إحباط عملية إنتحارية في مقهى "الكوستا" في الحمرا، هناك مجموعة من الأسئلة التي من المفترض أن تطرح حول البيئة التي يخرج منها الإنتحاريون من جماعة الإرهابي ​أحمد الأسير​، خصوصاً أن التعاطي مع هذه الحالة، في البداية، كان يرتكز على إهمال "مهرج" يبحث عن دور له على الساحتين السياسية والإعلامية، من خلال الإستثمار في الحرب السورية، التي ساهمت في إشعال نيران الفتنة المذهبية على مستوى المنطقة.

في هذا السياق، لا يمكن إهمال دور وسائل الإعلام في إبراز هذه الظاهرة، حيث كان "الشيخ" من أبرز النجوم القادرين على تأمين "الرايتينغ" في مرحلة الصراع السياسي الداخلي، فحل ضيفاً في البرامج الحوارية، وكانت تحظى التحركات التي يقوم بها بتغطية لافتة، في حين فضّلت "النشرة"، منذ الأيام الأولى، تجاهل هذه الظاهرة، لأنّها لا تقدّم إلا الخطاب المتطرف الذي يسيء إلى صورة لبنان.

على هذا الصعيد، تشير مصادر متابعة لهذا الملف، عبر "النشرة"، إلى أن أحداً في لبنان لم يكن يتوقع أن تصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم، حيث كان التعاطي مع الأسير يتم على أساس أنه مجرد "كركوز"، إلى أن وصلت الأمور إلى الإشتباك المسلح مع "سرايا المقاومة"، على خلفية قضية الشقتين الشهيرتين في منطقة عبرا، لتكون النهاية بعد الإعتداء الذي تعرض له حاجز الجيش في تلك البلدة، حيث فر من المكان إلى جهة مجهولة.

بعد ذلك، جاءت الرسائل المتنوعة، التي حاول إرسالها بوسائل مختلفة، وصولاً إلى التفجير الإرهابي المزدوج الذي تعرضت له السفارة الإيرانية في بيروت، حيث تبين أن الإنتحاريين، معين أبو ضهر وعدنان موسى المحمد، هما من أنصار الأسير، مع العلم أن تبني العملية جاء عبر جماعة "كتائب عبدالله عزام" التابعة لتنظيم "القاعدة"، ومنذ ذلك الوقت بدأت الأسئلة حول بيئة هذا "الكركوز"، وما يمكن أن تقوم به على الصعيد الأمني من أعمال إرهابية، لتكون المفاجأة الأخيرة مع إنتحاري الكوستا عمر العاصي، الذي فشل في تحقيق الهدف المطلوب منه، بعد أن تبين أنه من أنصار الأسير أيضاً.

بالنسبة إلى هذه المصادر هناك نقطة محورية ينبغي التوقف عندها، تتعلق بالجهة التي توجه أنصار الأسير نحو الأعمال الإرهابية، فتفجير السفارة الإيرانية تم تبنيه من قبل جماعة مرتبطة بـ"القاعدة"، في حين أن إنتحاري الكوستا، بحسب المعلومات، ينتمي إلى تنظيم "داعش"، وفي نفس الوقت فإن الجماعتين الإرهابيتين على خلافات كبيرة في مختلف الساحات، ما يرجح أن تكون هذه البيئة محل إستقطاب من قبل العديد من الجماعات الإرهابية، حيث يتم إستغلال الواقع الذي ساهم "الكركوز" في بنائه على مدى سنوات، في حين كانت الدولة اللبنانية تكتفي بالمشاهدة ووسائل الإعلام تعمل على التسويق.

في حديث لـ"النشرة"، يعتبر الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ​ماهر حمود​ أن الأسير زرع البذرة التي يتم إستغلالها اليوم من قبل الجماعات الإرهابية، لكنه يشدد على أن لا مدينة صيدا ولا مخيم عين الحلوة بيئة حاضنة لمثل هذه الحالات، ويضيف: "مع الأسف هذه البذرة وجدت من يرعاها اليوم بالسر بعد أن كانت ظاهرة الأسير تعمل في العلن"، ويتابع: "إنتحاري الكوستا كان متخفياً بمهنة ممرض ولم يظهر عليه شيئاً من التطرف".

ويوضح الشيخ حمود أنه بعد إنفراط عقد الأسير عادت الأغلبية من أنصاره إلى المجتمع من جديد بعد توبتها، لكنه يلفت إلى أن هناك من يخفي قناعته ومنهم من إلتحق بـ"داعش" أو "القاعدة"، ويعتبر أنه في هذه المرحلة، المتابعة الأمنية أهم من الثقافية، بالرغم من أن هناك واجب على علماء الدين في هذا المجال.

من جانبه، يلفت الوزير السابق ​مروان شربل​، الذي كان وزيراً للداخلية والبلديات في ذلك الوقت، إلى أنه في تلك الفترة لم يكن أحداً قادراً على توقع إلى أين من الممكن أن تصل الأمور، بينما الأسير كان يعتمد على الخطابات المتطرفة والشتم لإشعال فتنة سنية-شيعية، ويضيف: "في بداية الأحداث السورية كان الشعب اللبناني منقسماً على نفسه بين مؤيد للحكومة ومعارض لها".

ويعتبر شربل، في حديث لـ"النشرة"، أن الإتصالات والعلاقات مع "داعش" والتعصب الأعمى بات المحفز الرئيسي، ويرى أن التعامل الأمني مع هذا الواقع لا يمكن أن ينتهي إلا بعد الوصول إلى مرحلة الإستقرار في المنطقة، خصوصاً في سوريا، ويضيف: "البعض شعر بالغبن من جراء ما يحصل في المنطقة وبات يريد التعامل بمنطق الثأر"، لكنه يرى أن الأمر الإيجابي هو التعاون بين المواطنين والأجهزة الأمنية، حيث يؤكد أن هناك نحو 95% من اللبنانيين متعاونين مع هذه الأجهزة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسؤولين عن المخيمات الفلسطينية وأجهزة المخابرات الدولية.

في المحصلة، هناك بيئة متطرفة ساهم الأسير في نموها، تستغل اليوم من قبل الجماعات الإرهابية في الأعمال الإرهابيّة، الأمر الذي من المفترض أن يكون محل متابعة دائمة من قبل الأجهزة الأمنية والقضائية.