ربّما هي عملية أمنية ممتازة حصلت ليل السبت في شارع "الحمرا"؛ وربّما كان الأفضل إلقاء القبض على الإرهابي الصيداوي في منزله .لكن في الحالتين، تمّ إنقاذ الأرواح البريئة.

لا شكّ أنّ عمليات أمنيّة إستباقية عدّة تتّسم بالممتازة تحصل في مناطق مختلفة من لبنان من قبل ​الجيش اللبناني​ والأجهزة الأمنية. العديد من هذه الإنجازات يبقى خارج التداول الإعلامي .

أسئلة عديدة تُطرَح اليوم: هل الأمن في لبنان ممسوك؟ هل أصبحنا وفجأة في عهد التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية وانتهى زمن المنافسة والسباق فيما بينها؟ هل أصبح لبنان بلد "اللجوء" للإرهابيين الهاربين من سوريا؟ ماذا يحصل في جرود ​السلسلة الشرقية​ من جبال لبنان بين الفصائل الإرهابية؟ ما هي أعدادها؟ هل أُقفِلت كل المعابر غير الشرعية؟ وغيرها من الأسئلة...

يحقّ للبناني وللوافد إلى لبنان أن يعرف مدى انكشاف لبنان أمنياً أمام الهجمات الإرهابية أو مدى استتباب الأمن فيه. لا أجوبة شافية وجازمة و رسمية حتى الآن . إنّ بعض التسريبات عن التحقيقات التي أجريت مع خيوط للشبكات التكفيرية الموجودة في لبنان تتقاطع مع أنها تستهدف الأماكن المكتظة بالمواطنين لسفك دماء أبرياء. ما الهدف؟ واضح أنّ ضرب الإستقرار والأمن في لبنان هو هدف تلك المجموعات الإرهابية أو هدف الدول التي تموّلها .فشلوا في إشعال الفتنة المذهبية السنية-الشيعية؛ فشلوا أيضاً في إشعال الفتنة المسيحية-الإسلامية؛ الفتنة المسيحية-المسيحية سُدَّت طريقها؛ حاولوا هزّ وتر الفتنة الشيعية-الشيعية؛ لعبوا على دقّ الإسفين بين الطائفة السنية؛ بعد فشل تلك الأهداف، تُرمى السهام اليوم على الأمن اليومي وعلى ضرب الإقتصاد. إنّها محاولات لتطويق العهد الجديد بالأمن والإقتصاد.

هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى، فإنّ الخسارة العسكرية التي تُمنى بها داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية في سوريا، واضطرارهم إلى ترك المناطق التي يتم تحريرها، تُلزم ارهابييهم بالبحث عن مناطق بديلة لتلجأ إليها ولتثبت فيها قوتها واستمرارية وجودها. ربّما لبنان بوّابة جغرافية لهم .

من هنا، إنّ خطراً كبيراً يُحدِق بلبنان من حدوده مع سوريا ومعابره الشرعية وغير الشرعية، هذا من جهة، ومن مطار بيروت من جهة أخرى، وطبعاً من مرفأ طرابلس.

لماذا مطار بيروت؟ لقد بات واضحاً من العمليات الإرهابية التي حصلت في أوروبا أنّ الإنتحاريين يتنقلون من بلدان عربية عدّة بجنسيات عربية، فماذا لو دخلوا لبنان؟!

أما تركيا والتي تتعرض لهجمات داعشية والتي تستقبل نسبة كبيرة من المسلحين الهاربين من سوريا؛ فالسفر منها الى لبنان في ظل عدم وجوب التأشيرات المسبقة لمواطنيها أمرٌ يستدعي التوقف عنده .

لماذا مرفأ طرابلس؟ لأن الباخرة "لطف الله 2" المحملة بالاسلحة والتي ضبطت في 27 نيسان من العام 2012 في المياه الإقليمية اللبنانية كانت متجهة إلى مرفأ طرابلس وقادمة من ليبيا عبر أحد الموانئ التركية.

ومخزن الأسلحة الذي انفجر في مدينة طرابلس في 10 شباط من العام 2012 وصلته الأسلحة عبر مرفأ طرابلس .

والحاوية المحمّلة بالاسلحة التي ضبطتها مخابرات الجيش اللبناني في شاحنة على متن باخرة "فيامرا" في 5 تشرين الأول من العام المنصرم كانت قادمة من تركيا .

طبعاً لا دخل لطرابلس ولأهلها بكل ما يجري. وطرابلس تستحق الحماية. و ما هو قادم من تركيا من شاحنات وحاويات وسفن يستحق المراقبة.

طبعاً، إنّ المسؤولين اللبنانيين يتقصّدون عدم إثارة الهلع في نفوس المواطنين وعدم تشويه صورة لبنان السياحية، خصوصًا في انطلاقة عهد جديد يسعى في أول خطواته إلى إعادة ترميم العلاقة اللبنانية الخليجية على المستويين الإقتصادي والسياحي؛ وإعادة زرع الثقة لدى السياح والمستثمرين العرب .

ولكن، حقّ اللبناني في الحياة الآمنة أَوْلى.

من هنا، لا يكفي التصفيق والتهليل. إذ أن حقّ من شاهد عملية أمنية علنية؛ وعند انتهاء مرحلة سريّة التحقيق لضرورات أمنية؛ أن يطّلع على تفاصيل اعترافات الانتحاريين ونقاط أهدافهم ومصادر تمويلهم .

للمواطن حقّ وواجب في حماية ذاته وعائلته. وعندها فقط له حرية التنقل واختيار أماكن تواجده. وواجبه المساهمة في مساعدة الأجهزة الأمنية عند أول جرس إنذار يشهده .

فإذا كان تواجد وانتشار الإرهابيين واقعة وفيرة في لبنان، فلتُعلَن إذاً حالة الطوارئ؛ إذ ليس في لبناننا عناصر أمنية على باب كلّ مقهى.