قال الفرنسي شارل لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتيسكيو: "لا بد لكل انسان يتمتع بسلطة أن يميل الى الإساءة في استعمالها، وهو يظل متجها نحو الإساءة إلى أن يجد حدودا أمامه". طالما عاش اللبنانيون على أمل رسم تلك الحدود وأوجعتهم التجارب، فلم يعودوا يكترثوا إن سادت المساواة بفعل القوانين المدنية التي تفعلها الطوائف، المناطق، الأحزاب أو أية موازين أخرى، فقد يئسوا من الايمان بكفاءاتهم وحدها، وبدأوا على مضض يسيرون وراء قاعدة شهادة زائد محسوبيّة تساوي وظيفة في القطاع العام. وهذه هي حال بعض القرارات العشوائية التي بدأت تضرب بفسادها معتقدات وركائز حكومة العهد الأولى التي بنيت على وعد إعادة ثقة المواطنين باداراتهم العامة.

صبيحة 08/11/2016 أصدرت وزارة التربية-المديرية العامة للتعليم العالي والمهني إعلانا رقمه 6/11134، يحدّد حاجات المعاهد والمدارس الفنية اللبنانية الى أساتذة متعاقدين بالساعة، مفندة الإختصاصات وكيفية توزيعها على المحافظات، إضافة إلى المستندات والمعايير المطلوبة لهذه الوظيفة. وأخيرا وبعد مخاض طويل تفاجأ مقدمو الطلبات بصدور لائحة بأسماء المقبولين التي تزيد عن الألف وسبعمئة أستاذ، بدون الأخذ بعين الإعتبار التوزيع الطائفي للمرشحين ولا أصول التوظيف. ليست الطائفية محور إهتمامنا ولن نسمح لمن سيزايد علينا بالانتماء للوطن وليس للطائفة، فنحن من دعا وناضل وحارب من أجل العلمانية، ولكن أن يهدر حق طائفة على حساب الطوائف الأخرى هو بالأمر غير المقبول، فأساس لبنان كان وما يزال العدالة بين مواطنيه والعدالة بتعريفها النسبي هي 50% تقابلها 50%. لكن وجود نسبة لا تتعدى الـ15% للأساتذة المسيحيين مقابل 85% لباقي الطوائف هي بالفضيحة الوطنية التي تدمر مسارا كاملا من العمل والسعي لحفظ التوازن الذي يشكل منبع الحياة والإستقرار في وطن ديمقراطي كلبنان. ولكن حين يدرك المرء أنه لم يتمّ تقدير حملة الشهادات العليا وأخذ خبراتهم بعين الإعتبار أو احترام أسس تقديم الطلبات فلسوء الحظ تم تعيين من لم يكلف نفسه عناء السير بأصول التقدم للوظيفة ولا حتى تأمين المستندات المطلوبة أقله على عين الرأي العام- تبدأ بالسؤال عن دور الوزير والراعي الرسمي لكل قرار ضمن حدود وزارته. فإن وافق على نسف التمثيل المسيحي فهي مصيبة، وإن وثق ومرر التعميم دون الإطلاع على حيثياته فهي بالمصيبة الأكبر، خصوصا وأنه هو من أعطى المدير العام نفسه كامل الصلاحيات في تعميم سابق وفي سابقة تدل على التهرب من المسؤوليات.

لم يصدر يوما قرارا فاسدا وتم تعديله، ولم نكن يوما أمام اعتراف بخطأ في ادارة عامة، ولكننا اليوم في ظل تجربة العهد النظيف، ونراهن على التزام الجميع بالتغيير للخروج من بؤرة الفساد التي سادت لفترات طويلة، فهل سيصدر الوزير في الغد تعميما منقّحا معدلا يعيد للأساتذة المسيحيين حقوقهم ويعتمد فقط على المعايير المهنية أو في أسوأ الحالات سيقوم بالاعلان عن ملحق يتم من خلاله رفع نسبة الـ15% لتصل الى المناصفة، وهنا نكون أمام معضلة الفائض الذي سيسيطر على مهنيات لبنان ونعود لأزمة البطالة وهدر المال العام.

هي حالة ليست بجديدة ولكن حين نكون أمام مفترق التغيير والاصلاح وأمام وعود بالإبحار نحو المساواة وتطبيق مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب تكون صرختنا عالية النبض، وصوتنا يهدر في آذان وضمائر كل نظيف الكف، ونحن اليوم في صدد الإحتفال بإقرار قانون الحق في الوصول إلى المعلومات ندعو للإستفادة منه والتثبت من التصحيح في حال وجد.