هي فعلًا جدلية أقرب الى التحدّي يرسمها ​قانون الانتخاب​ على طريق بعبدا- بيت الوسط وما بينهما. جدليّة زادها موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعقيدًا بإعلانه جهارًا رفض مباركة أي قانون أساسُه الستين مقابل رفض أي مرسوم تمديديٍّ جديد... ولكن ما قبل رباعية بعبدا غير ما بعدها، تلك الرباعية التي سارعت الى تسويغ نفسها كي لا تُفهَم على وجه الخطأ وكي لا يُقرأ مضمونها الإقصائي من عنوانها الرباعي.

الجدلية الانتخابية تدفع سائلًا الى التساؤل: ما الحلّ إذًا؟ الجواب حتى الساعة يشي بلاجواب، والإحراج الأكبر يبدو واقعًا على رأس الرئيس عون الذي لا يمكنه التراجع عن موقفه من جهةٍ واستهلال عهده بقانون “بالٍ” أو بتمديدٍ “جرائمي”، ومن جهةٍ أخرى لا يمكنه السير عكس ما تشتهيه مكوّناتٌ أساسيّة في البلد وعلى رأسها النائب وليد جنبلاط الذي يحاول الجميع استرضاءه وتطييب خاطره كي لا يشعر بالغبن والإقصاء، ومع ذلك لم يكن من بين الوزير علي حسن خليل والوزير جبران باسيل، والنائب علي فياض ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري مساء أمس.

عموميات...

عوّل الجميع على ثمار اجتماع وفد اللقاء الديمقراطي بحزب الله، لتأتي المحصّلة عموميات تشبه تلك التي خلصت إليها كلُّ اجتماعات المختارة المتوجّسة مع باقي الكتل: تشديدٌ على التوافق بين اللبنانيين كي لا يشعر أي مكوّن بالغبن. لم يكن اللقاء مفصليًا كما أوحى كثيرون لأسبابٍ عدة يتقدّمها تصالح حزب الله نفسه مع فكرة إسقاط الستين الى غير رجعة وارتقائه بقانون قائمٍ على النسبية الكاملة. أما عدا ذلك فتخبُّطٌ إزاء اجتماع من أجل قانون الانتخاب أفصح عنه الوزير ميشال فرعون ليخرج الوزير محمد فنيش مؤكدًا أن لا علم له بمثل هذا الاجتماع. في هذا الوقت حاسمًا يبدو جنبلاط، فهو وعدا تغريداته المحيّرة اللاذعة، ينقل رسائل واضحة عبر نوابه ووزرائه بكلام موحّد: لا قانون انتخاب من دون توافق. هو ليس تحديًا في المختارة موجهًا ضدّ أحد لا سيما رئيس الجمهورية، لكنه مجرّد “صون لحقوق الطائفة الدرزية” باستحصال تمثيل يليق بها كمكوّن أساس في البلد، ناهيك عن رفض بكّ المختارة انتزاع مقاعد المسيحيين منه لصالح الثنائية المسيحية المتنامية بعد تفاهم معراب.

احتمالاتٌ أربعة...

حتى أكثر المتفائلين يشون بتفاقم للوضع الانتخابي رغم أن الوقت ما زال يسمح بوضع اللمسات الأخيرة على هيئة الإشراف، بيد أن بيت القصيد العالق عند أبواب القانون المُعتمَد يجعل من إمكانيات وزارة الداخلية محدودة لإجراء الانتخاب على أساس غير “الستين” وهو ما عبّر عنه الوزير نهاد المشنوق في غير مناسبة، قبل أن يؤكد من القصر الجمهوري إصرار الرئيس على إجراء الانتخابات في موعدها من دون أي ذرائع تسويفية أو تأخيرية ومن دون الغرق في مسمّيات واهية أكثرها رواجًا “التأجيل التقني”. حتى الساعة تتعادل فرص انتصار احتمالاتٍ أربعة: أولًا، السير وفق قانون الستين وما له من تبعات على ذوي المواقف التصعيدية ضدّه، على أن يكون أبغض الحلال وأفضل الخيارات المتاحة، وهو خيارٌ مستبعدٌ تمامًا في دوائر القصر على ما علمت “البلد” حتى لو أُدخل اليه تعديل بسيط يبدو أشبه بالضحك على الناس ومصائرهم وحقهم في التمثيل الصحيح. ثانيًا، التمديد الظرفي الى حين التوافق على قانون يرضى عنه الجميع وهو خيارٌ مستبعد أيضًا في القصر ومحبّذ في بيت الوسط. ثالثًا، التوافق على قانون جديد يناغم بين اقتراحَي القانونين المختلطين على أن تنتج منه صيغة مناسبة تبدّد هواجس زعيم الجبل أقله في مناطق نفوذه وتحصّن قلعته الانتخابية أنى أراد، وهو خيارٌ مقبولٌ من الجميع ولكن دونه عقباتٌ جمّة أبرزها لوجستي مرتبط بإمكانيات وزارة الداخلية لإنجاز كل ما هو مطلوبٌ منها تقنيًا لإجراء الانتخابات في موعدها ومن أبرز هذه التحديات تفسير الآلية الانتخابية المعقدة للناس. رابعًا وأخيرًا، رمي كل الاقتراحات المقدمة والشروع الى مشروع جديد في سرعةٍ قياسية، يُخشى منه أن يكون مجرّد إضاعة للوقت للخروج بنسخةٍ منقّحة عن قانون الستين، وهو ما لن يرتضي به الرئيس وإن كان سيُقدَّم إليه على أنه أفضل الحلول وسط تعنّت كثيرين وتمسّكهم بالقديم. وعلمت “صدى البلد” أن “إصرار بعضهم على التمديد وفرضه أمرًا واقعًا سيؤديان الى استقالةٍ محتملة لنواب التيار الوطني والقوات ليصبح المجلس فاقدًا لأكبر مكوناته المسيحية”، علمًا أن رئيس الجمهورية يعمل لتلافي هذا السيناريو، ووفق معلوماتٍ لـ”البلد” همس في بعض الآذان القريبة بأن قانونًا جديدًا سيبصر النور قريبًا، وسيكون عصريًا وحينها فقط يصبح التمديد الظرفي مسوَّغًا بعد أن يطمئن اللبنانيون الى أن قانونًا جديدًا بات في حكم المحتّم.

خشبة خلاص؟

اليوم يبدو أن القرار بإنتاج قانون انتخابي جديد ينهل من المختلط مداميكه اتُخِذ، ويبدو أن ذاك اللقاء الرباعي الذي يعود الى الالتئام غدًا قبل أن يوسّع بيكاره ليشمل جميع المعنيين في أعقاب إرساء صيغةٍ أوليّة تسترضي مختلف الأطراف، سيكون أشبه بخشبة خلاص لبنان من فراغٍ تشريعيٍّ محتوم يؤثره رئيس الجمهورية في حال فُرِض عليه مرٌّ من اثنين: التمديد والستين. خيارٌ يلاقيه اليه التيار الوطني الحرّ الذي لوّح بثورةٍ شعبية واسعة النطاق في حال فرض “الستين” أمرًا واقعًا على اللبنانيين وتقديمه على أنه خلاصهم من التمديد المحتوم للمجلس المُمدِّد ولايتين.

العقدة الأكبر

في الأمس، استعاد بعض المتوجّسين من اللقاء الرباعي صورًا وذكرياتٍ من التحالف الرباعي الذي قلب كل الموازين في انتخابات العام 2005. هواجس سارع المجتمعون الى تبديدها على قاعدة عدم إقصاء أحد لا بل إنصاف كلّ المكوّنات بحسب حجمها التمثيلي، ولعلّ إصرار رئيس الجمهورية على عدم توقيع أي مرسوم يتعلق بالستين أو التمديد سيكون علامةً فارقة في هذا المجال مع دعمٍ علني من السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه في هذا المجال، من دون إغفال الصيغة التي سيكون القواتيون شركاء فيها مع حليفهم البرتقالي، وهو ما سيستجرُّ صيغةً تلائم “المستقبل” على السواء الباحث عن كسر أجنحةٍ متفلّتة وأبرزها اللواء أشرف ريفي الذي أعلن ترشّحه عن طرابلس أخيرًا. يبقى جنبلاط، العقدة الأكبر، مع رفع سقفه تجاه أي قانون غير الستين ووصده كلّ الأبواب في وجه صيغ القوانين المطروحة التي من شأنها أن تقزّم حصّته ولو نائبًا واحدًا.