من يريد بقاء صيغة "الستين" في ​قانون الانتخاب​ات النيابية؟ لا يبدو أن مصلحة الحزب "التقدمي الاشتراكي" وحده تكمن في بقاء القانون النافذ. قبل أيام أوحت تغريدة رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ المتضامنة مع موقف رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ بأن هناك مؤيّدين للصيغة الحالية، اضافة الى تيار "المستقبل" الرافض لطرح النسبية. "الحكيم" عزّز هذا الاستنتاج بكلامه عن حلف يضم "القوات" و"الاشتراكي" و"المستقبل" و"التيار الوطني الحر". لكن أعاد جعجع قلب الطاولة برفضه ابقاء "الستّين" ومجابهة طرح جنبلاط، وذهاب الكلام عن الحلف الرباعي مع الرياح. لم يصمد كلام جعجع اياما". فماذا حدث؟

لا بدّ من القراءة والتمعن بالحصص النيابية التي تحتسبها القوى في مقارباتها. كانت مراهنة جعجع على حلف رباعي، لكن التحالفات السياسية خالفت حسابات "الحكيم". هل يستطيع "التيار" التخلي عن حلفه مع "حزب الله"؟ الفريقان يتمسكان بالتفاهم الذي أثمر في رئاسة الجمهورية. الحزب بدوره لا يتخلى عن معادلة "الثنائية الشيعية". ما يعني عدم التصادم بين هذه القوى الثلاث. علما أن الايام الماضية شهدت "تواصلا" مثمرا" بين وزيري الخارجيّة جبران باسيل والماليّة علي حسن خليل، في ظل تقارب وجهات النظر بين الفريقين حول قانون الانتخابات. بالمقابل تتمسك "الثنائية الشيعية" بمصالح تيار "المردة" الانتخابية؟ هذا ما ثبّتته معمودية التفاوض الحكومي. "المستقبل" ايضا" لن يشاكس "المردة" لا في زغرتا ولا في الكورة او البترون، وقد يصل الأمر الى حد التحالف بين التيارين وصولا الى طرابلس وعكار. طبيعة العلاقة الشخصيّة بين رئيس الحكومة سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية تقود الى هذا الاستنتاج السياسي. بالمحصلة ينفتح "الثنائي الشيعي" و"المستقبل" على فرنجية من دون اية موانع تفرضها التحالفات الاخرى.

في زحلة تتصدّر أسئلة بالجملة: من يتحالف مع من؟ هل تخوض "الثنائية المسيحية" معركة ضد القوى الفاعلة؟ أين سيكون تيار "المستقبل"؟ لا يبدو أن الحريري بوارد التخلّي عن حلف مع "الكتلة الشعبية". أين سيكون الصوت الشيعي؟ اذا كان "حزب الله" ينحاز بطبيعة الحال الى جانب "التيار"، هل يدفع حزب "القوات" الثمن بعدم اختيار مرشّحيه؟ علما ان المعركة ستدور بين فريقين اساسيين: الكتلة الشعبية والقوات. هذه المعادلة تنسحب على مناطق اخرى في بعبدا، وجزين، وجبيل، والبقاع الغربي ودوائر في بيروت.

الاشكالية هي في عدم حسم التحالفات. كل فريق يسعى الى ترتيب وضعه في مجلس نيابي مقبل. لا يقتصر الأمر عند حدّ الحصص النيابية بل في رسم الاحجام السياسيّة التي ستنعكس في التأليف الحكومي لاحقا أيضا. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان تحدث عن عهد يبدأ بعد الانتخابات النيابيّة. هذا يفسّر رغبة العهد بحدوث تغييرات في أحجام القوى وتحديدا في المجلس النيابي. سبق وان جرى بحث واستطلاعات رأي اظهرت في الايام الماضية ان البقاء على قانون الستين سيعيد انتاج نفس التكتّلات. ومن هنا جاء القلق الذي اظهرته شخصيات سياسية مسيحية يستند الى الاشكالية التي ذكرناها حول تضارب مشهد التحالفات وبالتالي الحصص والاحجام. لن تستطيع "الثنائية المسيحية" تحسين اوضاعها التمثيلية وفق القانون النافذ. لا بل تحدّثت معلومات عن سعي كل من "التيار" و"القوات" لصياغة تفاهمات وتحالفات بالمفرق تعطي الاغلبية لاحدهما نيابيا. لا مصلحة لباسيل مستقبلا ان تتحكم به كتلة "القوات" مسيحيا. هذا ما تحاول أن تشرحه قوى في "8 اذار". هذه القوى ترغب بتسويق مرشحيها، كحال الحزب "السوري القومي الاجتماعي" متنيًّا". نائب الحزب سيكون منحازا" للتيار في حال "حزّت المحزوزيّة" في الساحة المسيحيّة سياسيا" أو رئاسيا" بعد انتهاء ولاية الرئيس عون.

كل الحسابات يتمّ أخذها بعين الاعتبار، ليبقى أمر القانون الانتخابي معلقا. لكن اصرار عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري على رفض التمديد وعدم القبول بالقانون النافذ، يوحي باستيلاد قانون جديد في الاسابيع المقبلة. لكن هل يكون وفق صيغة النسبيّة؟.

عون وبري يريدان النسبيّة. رئيس المجلس النيابي ربط خلاص لبنان بتلك الصيغة. لكن رفض "المستقبل" و"التقدمي" لها يلبس لبوسا طوائفيا يطيح بالميثاقيّة المطلوبة لاقرار النسبيّة. الحريري يمثل السنّة بأكثريّة نيابيّة، وجنبلاط يمثل الدروز. لا يمكن من دونهما اعتماد قانون نيابي. ما يعني الذهاب للبحث عن صيغة اخرى قد تفرض قدرا من النسبيّة بالمختلط أو التأهيلي. علما أن قيادات ونوابا من "التيار" يتحدثون في الصالونات السياسية عن امكانية القبول بنظام على اساس الاكثري بالكامل. يصرّون على المضي بطرح جديد يقضي على الستين، الى حد تلويح النائب الان عون بإعادة النظر "بشهر العسل" مع بعض القوى (يقصد "المستقبل") في حال عدم التوافق على القانون الانتخابي العتيد.

قد يكون اصرار "التيار" ناجما" ليس فقط عن الالتزام بالخطاب الرئاسي، بل نتيجة القلق من التحالفات التي ستعطي وفق صيغة الستّين خصومهم وخصوصا في الشمال وزحله مقاعد عدّة تكرر المشهد السياسي الحالي.