في عزّ "الصراخ الافتراضي" لرئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ رفضًا للنسبية في ​قانون الانتخاب​، خرج رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ بتصريحٍ "متضامنٍ" مع "البيك"، معلناً رفضه سلفًا أيّ قانونٍ لا يوافق عليه الأخير.

وعلى الرغم من أنّ جنبلاط يكاد يعلن صراحةً أنّه لا يريد سوى قانون الستين، أو ما يشبهه في الشكل والمضمون، عاد جعجع بعد أيام ليلوّح بخطواتٍ تصعيديّة، ولكن هذه المرّة رفضًا لفرض "أمر واقع" على اللبنانيين عبر تخييرهم بين إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين أو التمديد للمجلس النيابي.

بين هذا وذاك، أين يقف جعجع انتخابيًا؟ وهل يمكن فعلاً المواءمة بين رفض الستين، وربما التمسّك بالنسبية، من جهة، ومراعاة جنبلاط من جهة ثانية؟

خلاف مع "التيار"؟

حين خرج جعجع بالموقف "المتعاطف" إلى حدود "المزايدة" مع رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط من البوابة "الانتخابية"، أثار "نقزة" لدى الشارع المسيحي، وخصوصًا بالنسبة لحلفائه في "التيار الوطني الحر"، الذين استعادوا بالذاكرة سريعًا تجربة "القانون الأرثوذكسي"، الذي تخلى عنه "القواتيون" في اللحظة الأخيرة، لمصلحة قانونٍ مختلطٍ اتفقوا عليه مع "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي".

وإذا كان من الطبيعي أن يتفهّم جعجع وغيره من الأفرقاء السياسيين "هواجس" جنبلاط، الذي لا ينكر أحد حجمه التمثيلي وحيثيته الشعبية خصوصًا على الصعيد الدرزي، فإنّ علامات استفهامٍ رُسِمت حول الموقف "القواتي"، خصوصًا أنّه لم يعد خافيًا على أحد أنّ الكثير من القوى السياسية باتت تتستّر بجنبلاط وتختبئ خلفه لتشريع "المحظور"، في إشارة إلى قانون الستّين، ومن بين هؤلاء حلفاء استراتيجيون لجعجع يخشون أن يقلّص أيّ قانونٍ انتخابي جديد من حجمهم النيابي، على غرار تيار المستقبل الذي يمتلك بموجب القانون الحالي الكتلة الأكبر حجمًا في البرلمان.

انطلاقاً من ذلك، بدأ الكثيرون يغمزون من هذه القناة للقول أنّ التاريخ قد يعيد نفسه من جديد، وأنّ جعجع قد يمهّد بموقفه هذا لـ"صفقة" جديدة مع "المستقبل" و"الاشتراكي"، بمعزلٍ عن "الوطني الحر"، فدار حديث عن "افتراقٍ" و"خلافٍ" بين "التيار" و"القوات" على خلفية قانون الانتخاب، رغم أنّ البعض ذهب بعيدًا في التحليل لحدّ الحديث عن "تواطؤ ضمني" بين الجانبين على تكريس قانون الستين، الذي إن كان يضرّ بهما على المستوى الفردي، فإنّه يخدمهما كثنائية مجتمعة، خصوصًا في مواجهة القوى المسيحية التي أصرّت على معارضتهما ورفضت الالتحاق بهما. ولهذه الأسباب بالتحديد، حرص الجانبان خلال الأيام الماضية على "رفع الأسقف" إلى أعلى مستوياتها، وصولاً حتى التلويح بالنزول إلى الشارع للمواجهة، وهو ما ألمح إليه جعجع نفسه في موقفه، الذي بدا "توضيحيًا" لموقفه الأول، بعد كلّ "التأويل" الذي تعرّض له.

سياسة انفتاحية...

ولكن، إذا كان جعجع متفقاً ضمناً مع "التيار" على المبادئ والثوابت الانتخابية، فلماذا ذهب بعيدًا في مراعاته لجنبلاط، فاتحاً المجال لما هبّ ودبّ من تفسيرات وتحليلات، بدل اعتماد الأسلوب "العوني" الذي سعى لتبديد "هواجس" جنبلاط، عبر الجزم بأنّ النسبية، بعكس ما يوحيه الأخير، لا تلغي أحداً، بل أنّها هي التي تمنع احتكار التمثيل من قبل أيّ كان؟

قد يكون الأمر "توزيع أدوار" بين الجانبين، كما يحلو للبعض أن يقرأه، كما أنّ الأمر قد لا يعدو كونه موقفاً شخصيًا مبدئيًا من جعجع الذي يرفض إلغاء أيّ طرفٍ كان، وهو الذي يردّد دومًا أنّه عانى الكثير من "حرب الإلغاء" التي خيضت ضدّه، والتي دفع ثمنها سجنًا، وهو يعتبر بالتالي أنّ أيّ قانون انتخاب يتمّ إقراره يفترض ألاّ يلغي أحداً، بمعنى أن ينال موافقة جميع الفرقاء، وإن بدا الأمر تعجيزيًا، بالنظر للتركيبة السياسية اللبنانية المعقّدة، رغم أنّ "الفخ" الذي يقع فيه جعجع وغيره في مثل هذه المقاربة هو أنّهم يقفزون فوق أفرقاء آخرين، لهم حيثيّتهم أيضًا وإن كانوا أقلّ حضورًا ممّا بات يصطلح على تسميتهم بـ"زعماء الطائفة".

ولكن، أبعد من هذا وذاك، هناك وجهة نظر تبدو الأقرب إلى الواقع هي تلك التي تضع خطاب جعجع في سياق "السياسة الانفتاحية" التي يمارسها حزب "القوات اللبنانية" مع مختلف الأفرقاء، وهو الذي استبق إقرار قانون الانتخاب أصلاً للحديث عن "تحالف رباعي" سيخوض الانتخابات النيابية المقبلة بصورةٍ موحّدة، ويضع الثنائية المسيحية جنباً إلى جنب "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي". وانطلاقاً من هذه النقطة بالتحديد، تبدو "الحسابات الانتخابية" حاضرة بقوة في الموقف "القواتي"، الذي يصرّ على ترك قنوات التواصل مفتوحة مع الجميع، خصوصًا في ضوء طموح جعجع بتوسيع كتلته النيابية في الانتخابات المقبلة، لتعكس ما يعتبره تمثيله الحقيقي في الساحة المسيحية، وهو سيحتاج في سبيل ذلك لنسج تحالفاتٍ متينةٍ يفترض أن يكون "البيك" جزءًا منها، نظراً للمصالح المتشابكة في ضوء التواجد المسيحي في مناطق نفوذه.

لعبة الانتخابات...

يقول العارفون أنّ لا غبار على الموقف "القواتي" من قانون الانتخاب، فالانسجام بين "القوات" و"التيار" كاملٌ حول هذا الموضوع بالتحديد، وأيّ خطوةٍ يتمّ اللجوء إليها في سياق الضغط لإقرار قانون انتخاب جديد ستكون مشتركة، وبالتكافل والتضامن.

كلّ ما في الأمر إذاً هو أنّ الحسابات الانتخابية بدأت تفعل فعلها، فالانتخابات باتت على الأبواب افتراضيًا، ومعها قد تتغيّر الكثير من المعطيات والوقائع، وإن بقي الغموض محيطًا بها وبقانونها، ويبدو أنّه سيبقى كذلك حتى وقتٍ لن يكون بقصير...