في جديد التسريبات الخاصة بالتقارير التقييميّة التي تُعدّها القيادة العسكريّة الإسرائيليّة بشكل دوريّ لتحديد مدى جُهوزيّة الجيش الإسرائيلي في أيّ حرب مُقبلة، إنطلاقًا من نتائج معارك سابقة مُختلفة، لعلّ أبرزها حربيّ تموز 2006 و2014 على كل من لبنان وغزّة على التوالي، أنّ إسرائيل تُعاني من ثغرات أمنيّة كبيرة ما يَستوجب العمل على مُعالجتها من جهة، والعمل على تغيير أسلوب قتال الجيش الإسرائيلي في أي معركة مُستقبليّة من جهة أخرى.

وفي هذا السياق، بيّنت التقارير العسكريّة والإستخباريّة المُسرّبة، أنّ إسرائيل تُواجه مخاطر كبرى في أيّ مُواجهة في المُستقبل، إن مع "حزب الله" أو مع الفلسطينيّين في غزّة، ما لم يكن مع الإثنين معًا، وربّما مع مجموعات قتالية مُستحدثة في الجولان السوري المُحتلّ. وأظهرت هذه التقارير أنّ أبرز هذه المخاطر تتمثّل بما يلي:

أوّلاً: مُشكلة الأنفاق التي تمتد أسفل خطوط التماس بين الجيش الإسرائيليّ والقُوى التي تُقاتله، إلى عمق عدد كبير من المُستوطنات، ما يُعرّض الوحدات المُقاتلة الأماميّة والكثير من المدنيّين لخطر شديد، يشمل إحتمالات القتل والخطف والأسر، إلخ.

ثانيًا: مشكلة عدم صحّة نظريّة "أنّ الصواريخ ستصدأ في مخابئها"(1)، حيث برهنت التجارب السابقة جُهوزيّة عالية لضرب إسرائيل من لبنان وغزّة لفترة زمنيّة طويلة من دون نُضوب المخزون، مع تسجيل تطوّر نوعي في كمّية هذه الصواريخ وفي نوعيّتها، حيث صارت تُقدّر بمئات الآلاف، ومن بينها صواريخ شديدة الدقّة وتتمتّع بقدرة تدميريّة كبيرة(2)، ما يُهدّد بشكل مباشر مصالح إسرائيل العسكريّة والإقتصادية وبناها التحتيّة، ويختلف تمامًا عن التهديد السابق الذي كان يقتصر على ضرب الإستقرار بصواريخ "كاتيوشا" و"غراد" قصيرة المدى ومحدودة الرأس المُتفجّر وغير دقيقة الإصابة.

ثالثًا: مُشكلة تطوّر القدرات الدفاعيّة للمُقاتلين الفلسطينيّين، وخُصوصًا لمقاتلي "حزب الله" الذين باتوا يمتلكون كمّية كبيرة من صواريخ "ياخونت" القادرة على ضرب البوارج والزوارق الحربيّة الإسرائيليّة في البحر، والذين طوّروا دفاعات "أرض–جوّ" بعيدًا عن الإعلام، ما سيتسبّب بإرباك كبير لسلاح الجوّ الإسرائيلي في أيّ معركة مُقبلة، علمًا أنّ الغطاء الجوّي الإسرائيلي كان يُمثّل "نقطة التفوّق" الإسرائيليّة الأساسيّة في المعارك السابقة.

رابعًا: مُشكلة إرتفاع عديد المُقاتلين المُدرّبين الذين سيدخلون في أي حرب مُقبلة، في ظلّ تقارير تتمتّع بمصداقيّة عالية عن تحضيرات جدّية من "حزب الله" لنقل جزء من المعركة إلى خلف الخطوط الحدوديّة القائمة، عبر شنّ هجوم كبير ومفاجئ في إتجاه "الجليل" عند بداية أي معركة، ولوّ للتوغّل لبضع مئات من الأمتار، لكنّ هذا الأمر سيكون بمثابة ضربة معنويّة قاتلة للجيش الإسرائيلي الذي سينتقل عندها من موقع المُهاجم إلى المدافع، ومن موقع المُبادر إلى موقع المُتلقّي.

خامسًا: مُشكلة إحتمال فتح جبهة "الجولان" هذه المرّة، في حال إندلاع معركة كبرى في المنطقة، ما سيتسبّب بتشتيت القوى العسكريّة الإسرائيليّة على العديد من جبهات القتال، وسيُضعف تلقائيًا من فعاليّتها.

من هنا، يحرص أكثر من مسؤول عسكري إسرائيلي على التشديد أنّه في حال إندلاع أيّ حرب مُحتملة مع "حزب الله" أو مع الفلسطينيّين، من الضروري مُسارعة إسرائيل إلى شنّ هُجوم ضخم لإختراق المناطق الحُدوديّة بمسافة لا تقلّ عن ألفي متر، وذلك لإخراج خطر الأنفاق من المعركة، باعتبار أنّ طول الأنفاق يتراوح عادة ما بين 700 و1500 متر. وبحسب إقتراحات كبار المسؤولين العسكريّين الإسرائيليّين الحاليّين، من الضروري أن تدخل إسرائيل أيّ معركة كبرى بشكل مُختلف عمّا حصل في لبنان وفي غزّة في الماضي غير البعيد، أي من دون أيّ تردّد ومن دون البلبلة والإنقسامات التي سادت صفوف القادة السياسيّين والعسكريّين. وشدّدت هذه الإقتراحات على أنّه للفوز في أيّ حرب مُقبلة، من الضروري أن يدخل الجيش الإسرائيلي بكامل قُوته وفعاليّته من اليوم الأوّل، وبالتالي من الضروري إشراك أكبر عدد مُمكن من العسكريّين في المعركة منذ بدايتها، وإستغلال كامل القُدرات التدميريّة للجيش الإسرائيلي، لأنّ "معارك الإستنزاف الطويلة" لن تصبّ في صالح إسرائيل بعد اليوم، بل في صالح خُصومها. وهذا الأمر يتطلّب إلحاق أكبر قدر مُمكن من الأضرار في قُدرات "حزب الله" والفلسطينيّين الهُجوميّة، لا سيّما منها الصواريخ البعيدة المدى، في أولى ساعات إندلاع أيّ حرب.

في الختام، كل التقديرات السياسيّة والأمنيّة الإسرائيليّة وكذلك الغربيّة، تستبعد تمامًا أيّ مُواجهة في المرحلة الحاليّة، بين الجيش الإسرائيلي من جهة، والقوى المحسوبة على "محور المقاومة" من جهة أخرى، لكنّها تؤكّد أنّ أيّ حرب بين الطرفين في المُستقبل، ستكون غير مسبوقة من حيث ضراوتها وعنفها وحجم الدمار الذي ستُخلّفه وعدد الضحايا الذين سيسقطون بسببها!

(1) وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، كان قال قبل حرب تمّوز 2006، إنّ "صواريخ حزب الله سوف تصدأ في مخازنهم...".

(2) منها صواريخ "سكود" الروسيّة، و"فاتح 110" الإيرانيّة، و"أم 600" السوريّة المُعدّلة.