عادت ​اسرائيل​ في الآونة الاخيرة الى وتيرة التصعيد الكلامي مع لبنان والتهديد برد عنيف وبطريقة قاسية على اي "اعتداء" قد تتعرض له، وقد شمل هذا الكلام وزير الدفاع الاسرائيلي وعدد من محللي الصحف والمواقع.

ولكن، وفي خضمّ هذه المعمعة الكلاميّة، قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جملة مرت مرور الكرام على ما يبدو دون ان يتوقف احد عندها، ولكنها مهمة في الزمان والمكان حيث ولدت فيه. فخلال استقباله وفداً من الامم المتحدة الاسبوع الفائت في قصر بعبدا، تحدث عون عن بحث في تحويل وقف الاعمال القتالية في الجنوب (وفق القرار 1701)، الى وقف لاطلاق النار. المهم في الموضوع ليس الموقف بذاته، بل انه اتى خلال استقبال وفد أممي جال على عدد من دول المنطقة قبل الوصول الى لبنان، كما انه يعني ان هناك معطيات حول وجود ارضية صالحة لطرح مثل هذا الموضوع خصوصاً من الجهة الاسرائيلية، لان التصعيد من قبل لبنان غير وارد وكل المؤشرات تدل على عدم وجود أيّ نية لبنانية في هذا الاتجاه، والاكتفاء بالبقاء بحال جهوزية للرد على اي خرق بري او عملية واسعة قد تحصل.

وبالاستناد الى احداث سابقة مماثلة، فإن التصعيد الكلامي الاسرائيلي يمكن ان يكون توطئة للتمهيد لحصول وقف اطلاق نار شامل، للاستفادة بالتالي من الوضع في المنطقة الذي بدأ يخطو بثبات نحو اعتماد الحل السياسي، والتحرك الروسي الدبلوماسي بغطاء اميركي للوصول الى التسوية الشاملة المنتظرة.

واذا صحّت توقعات المحللين بتقسيم سوريا الى مناطق "نفوذ" اميركية وروسية وتركية بتضافر ايراني، فإن الجبهة مع لبنان لن تكون عرضة لاي خرق، اسرائيلي كان ام لبناني، وبالتالي فإن وقف اطلاق النار سيفرض نفسه بنفسه ولو دون اتفاقات وتواقيع في بادىء الامر.

مؤشّر آخر يدلّ ان لا مقومات لتصديق ما يروج له الاسرائيليون من تهديد ووعيد، فيكمن في بداية الحديث عن امكان التنقيب عن النفط في لبنان، وهذا يعني وجوب حل بعض المشاكل العالقة مع اسرائيل في هذا الخصوص، وهو أمر سيتم عبر القنوات الدولية بطبيعة الحال، لأنّ تل ابيب تدرك تماماً انها اذا ما ارادت الاستفادة من هذا الموضوع في المساحة التي تسيطر عليها، فليس من الحكمة ان تلجأ الى تصعيد الموقف عسكرياً مع لبنان، لانه قادر على احباط كل مساعيها في هذا السياق، اضافة الى ان اسرائيل بحاجة الى النفط وموارده اكثر من حاجة اللبنانيين اليه، ليس بسبب الغنى الفاحش للبنانيين، بل لانهم تأقلموا مع واقع "مرير" عايشوه منذ عقود من الزمن.

ومن المنطقي القول أن التصعيد بين الدول غير وارد حتماً، اقله في المدى المنظور، فالعمل العسكري والامني ينحصر حالياً على استهداف المنظمات الارهابية، وليس من مصلحة احد من الدول الاقليمية والدولية التلهي بحرب من هنا او هناك من شأنها ارجاء ما لا يجب ارجاؤه بالنسبة الى الارهاب، لان اي خطوة ناقصة ستحتاج الى خطوات كثيرة لتعويضها.

ومن شأن وقف اطلاق النار على الجبهة الجنوبية، ان يذكر بالحال التي كانت عليها جبهة ​الجولان​ قبل بروز الارهاب، وقد تؤدي التسوية الشاملة التي تنتظرها منطقة الشرق الاوسط الى تطورات اخرى ترسّخ الاوضاع الهادئة وتطيل من عمرها، وتجعل من الحديث عن اعمال عسكرية ضخمة مجرد ذكرى من الماضي، وبالاخص اذا تولت دول كبرى رعاية المناطق الحدودية السورية مع كل من لبنان واسرائيل والعراق، ما سيعني حكماً عدم قدرة القيام بتحركات عسكرية لاي جهة دون موافقة هذه الدول، في ظل غياب احادية التخطيط والتنفيذ الذي كان سائداً في الفترة السابقة بفعل السيطرة الاميركية الشاملة.

لذلك، من المهم الاشارة الى ان الاسلوب الاسرائيلي الذي كان يقضي بالتصعيد العسكري للوصول الى تسوية سياسية قد ولّى، وحلّ مكانه تصعيد كلامي للوصول الى الهدف نفسه، فيتبجّح المسؤولون في اسرائيل الى انهم استطاعوا ان يؤمّنوا لسكان الشمال الأمن والأمان.