تصدّر الحزب "التقدمي الاشتراكي" في حملة الإطاحة بمشروع وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ الذي ظهّره في اجتماعات اللجنة الرباعية المخصصة لدراسة قانون الانتخابات. لم يقف هجوم الاشتراكيين عند حدود المشروع الباسيلي، بل اتهموا "التيار الوطني الحر" من دون تسميته بالإسم "بالانقلاب على دستور الطائف". نواب "اللقاء الديمقراطي" تسابقوا على اختيار المصطلحات التي تذمّ بطرح الصيغة المختلطة، إضافة الى رفض "النسبية".

لم يكتفوا بالرفض ووصفِ المشروع تارة "بالمسخ" وتارة أخرى "بالهجين"، بل حكموا عليه بأنه "اصبح ميتاً". كل التوصيفات كانت تجري بإشراف رئيس "التقدمي" النائب وليد جنبلاط الذي اكتفى بتغريدات على "تويتر" تسخّن الجبهة "الاشتراكية" حيناً، وتدوزن المواقف "التقدمية" بشأن القانون حيناً آخر. لكنه محا ما خطّه قلم باسيل.

نجح "اللقاء الديمقراطي" بتحقيق أهداف الحملة، في وقت كانت قوى أخرى متضامنة مع موقف "الاشتراكيين" لنفس الاعتبارات كتيار "المردة" و"الكتائب" وتيار "العزم" وقوى وطنية رافضة مشروع "المختلط" المذكور، تعتمد على موقف جنبلاط لإجهاض طروحات اللجنة الرباعية.

خلال جولة وفد "اللقاء الديمقراطي" على القوى السياسية، سمع "التقدميون" كلاماً مفاده أن لا اعتماد لأي قانون لا يرضى عنه جنبلاط. لماذا لم تكن هذه الالتزامات الشفهيّة كافية ومطمئنة للاشتراكيين؟ هل احسّ جنبلاط بخطر مشروع الصيغة العتيد لاستهدافه في الشوف وعاليه وبعبدا؟

يقول "التقدميون" في النقاش السياسي المفتوح "إن الإحساس باستهدافنا انطلق من خلال محاولة فرض مشروع النسبيّة في المناطق المصنّفة قوّة اشتراكية، واعتماد صيغة الأكثرية في مساحات ضعفنا. كأن هناك من يسعى لترجمة مقولة: ما لنا لنا وحدنا، وما لجنبلاط لنا وله".

هذه المعادلة التي يتحدث عنها "الاشتراكيون" استفزتهم. شعر الحزب "التقدمي" ان هناك نيّة عند التيار "الوطني الحر" لإضعافه درزياً ومنع حلفائه المسيحيين من الوصول الى البرلمان.

قلب جنبلاط فوراً الطاولة من دون انتظار، مستنداً الى "الطائف" والمعادلة اللبنانية التي تقضي بعدم تغييب أي مكون طائفي وسياسي عن ملف بهذا الحجم.

رفضُ جنبلاط للنسبية يلائم تيار "المستقبل" الذي عاد الى شعار: لا نسبية بوجود سلاح. لكن حركة "امل" و"حزب الله" و"الوطني الحر" منحازون الى النسبية، ومستعدون للقبول بصيغة توافقيّة تطيح بقانون "الستين".

قوّة الرفض الجنبلاطي تنطلق من "وجوب تطبيق الدستور كاملاً، من دون استنساب"، اي انتخاب مجلس شيوخ، ومجلس نواب غير طائفي، وتشكيل الهيئة الوطنية لدراسة سبل إلغاء الطائفية السياسية، وقانون احزاب جديد. هذه البنود التي يستند اليها "التقدميون" موجودة بالدستور. فلماذا لا تُطبَّق؟ يسأل "اللقاء الديمقراطي".

تلك الصيغة يحبّذها رئيس المجلس النيابي نبيه بري. هو سبق وان طرح عناوينها بالجملة وبالمفرق، لكن رفضاً طائفياً وسياسياً أرجأ بنودها. هنا يسأل "الاشتراكيون": لماذا تُترجم هواجس غيرنا قفزاً فوق بنود الدستور، ولا تُؤخذ هواجسنا بعين الاعتبار؟ سؤال يتيح لجنبلاط الاستمرار بالمعركة حتى النهاية. هي بالنسبة إليه مسألة وجود الحزب والطائفة والتحالفات والتوازنات في الجبل. يخشى "التقدميون" من اللعب بتلك "التوازنات الدقيقة" التي سرت بعد "الطائف".

هل يقبل جنبلاط بصيغة مختلطة أخرى؟ لِم لا؟!

يعرف "التقدمي" ان "الستين" مغضوب عليه، لاعتبارات التمثيل المسيحي. لن يقبل "التيار" و"القوات" به. دراسة بسيطة توضح ان النواب المسيحيين وفق القانون النافذ ستتحكم بهم طوائف وقوى اخرى، من بعلبك حيث الأغلبية الشيعية، الى زحلة حيث التوازن السني-الكاثوليكي، الى البقاع الغربي حيث تحسم المقاعد الأكثرية السنية- الدرزية، الى جزين ومرجعيون والزهراني وبعبدا وجبيل حيث تقرر القوى الشيعية طبيعة النتائج الانتخابية، والشوف مركز قرار السنة والدروز، اضافة الى طرابلس وعكار حيث تحدد الأغلبيّة السنيّة نتائج كل المقاعد.

لا تحسب "الثنائية المسيحية" في تعاطيها حساباً للتحالفات السياسية بقدر ما تدرس النتائج من زاوية "طوائفية". هي تخشى من تحالف يجمع "المردة" مع "المستقبل" شمالاً، موضعياً في زغرتا والكورة او عاماً يطال البترون وطرابلس وعكار. او من حلف قائم بين "الكتلة الشعبية" و"المستقبل" في زحلة، قادر على الحسم من دون الآخرين، رغم تطمينات رئيس الحكومة سعد الحريري للعهد. او الخشية من تحالف السنّة مع الدروز في الشوف. عدا عن حسابات "الثنائية الشيعيّة" مع "القوات" التي تطيح بمرشحيها وتلتزم فقط بالمرشحين العونيين.

كل تلك السيناريوهات جعلت "التيار" و"القوات" يعيدان النظر بالستّين، فيما هواجس جنبلاط تطيح بالمختلط. ما يعني ان الاحتمالات مفتوحة على كل الاتجاهات. لكن الدولة ملزمة وفق مواد الدستور بإجراء الانتخابات وفق القانون النافذ. لا فراغ هنا يحصل. هذا ما يستند اليه مؤيدو "الستين".

يرى المطّلعون ان صيغة لبنانية يجب ان تُستولد على قاعدة: لا غالب ولا مغلوب.

اذا كان "الستين" و"النسبية" و"المختلط" المطروح... كلها مشاريع تُصنّف في خانة الغالب والمغلوب هنا وهناك، فهل يطبّق اللبنانيون الدستور وتحديدا بإنتخاب مجلس شيوخ؟ أم يطبخون صيغة توفيقية في ايام المهل الأخيرة؟ لا جواب عند أحد بعد. كله وارد في لبنان.