أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في فترة سابقة تقارب السنتين 2015 رغبته بالاستقالة من المجلس النيابي في حديث صحافي كاشفاً عن نية ضمنية بتقديم مشروع العائلة الجديد تيمور جنبلاط.

صبّت التعليقات السياسية في ذلك الوقت حول وضع النائب جنبلاط «غير المستقر» مع اهتزاز حلفه المحلي لحظة تقدّم المشهد السوري لمصلحة النظام. لم يكن وليد جنبلاط قادراً على استكمال الدور السياسي الذي أراده.. روسيا حضرت الى المنطقة وزادت المشهد تعقيداً وتأكدت حينها استحالة اسقاط النظام السوري من جهة وتيقن أن هذا الحضور يشهد بخلفيته قناعة أميركية باستحالة إيقافه. وهو الأمر الذي لم تتخذ واشنطن على أثره أي خطوة جدية في منع روسيا من الحضور أو تفاديها بأقل تقدير وكأنه أمرٌ واقع بات يتحكم بمشهد المنطقة. كل شيء كان يعاكسه في ذلك الوقت وهو يتقن قراءة الموقف الأميركي جيداً وساعة الصفر والبدايات ويعرف النهايات أيضاً. شكّل جنبلاط حالة فريدة من نوعها بصداقته العميقة بسفير واشنطن في بيروت جيفري فيلتمان بزمن نهاية ما يُسمّى «الوصاية السورية».

أخطر مواقفه كانت في ما يتعلق بجبهة النصرة حين اعتبرها يوماً ما معارضة بدلاً من تسميتها فصيلاً إرهابياً، فتعقد المشهد أكثر ليكشف عن مكنونات تطال ببعدها الدروز كطائفة في المنطقة. أبرزها في سوريا، حيث كان موقف الدروز هناك في جبل العرب مثلاً موالياً للنظام الذي يعتبرونه حامي «الأقليات». فكيف يكشف وليد جنبلاط طيلة المرحلة عن هذا الكم الهائل من الدعم للمعارضة السورية وللمسلحين؟ هل خرج عن مصلحة الدروز في المنطقة عنوة لصالح الأميركيين؟ – سؤال راود الدروز -.. لماذا لم يتمسك بحماية الدروز كأقلية في المنطقة بوقت كان المسيحيون يوماً بعد الآخر يشعرون بخطورة الموقف الذي سيحلّ بطائفتهم إذا أطلقوا العنان لشعارات الحرية والديمقراطية وساهموا باجتياح التطرف الإسلامي بين «هلالين».. ربّما سرّع الفشل السياسي في المحور الذي ينتمي إليه جنبلاط باتخاذ قرارت توصف بـ«الانكفاء» في وقت لم يكن أحدٌ مهتماً بالخطوة بقدر القلق على الوضع الأمني في لبنان ومخاطر اجتياح داعش والنصرة الموجودتين في جروده والعين الأخرى على الحدث السوري.

أدرك جنبلاط أن الحياة السياسية في لبنان والمنطقة لم تعُد كما كانت، وربّما لم تعد مواقفه مقبولة بالصيغة التي كان عليها في مرحلة ما بعد اغتيال الحريري. كل هذه المعطيات السياسية لا تعني أن الزعيم الجنبلاطي لم يكن ينوي تسليم ابنه تيمور زمام الأمور أو تحضيره لمستقبل سياسي يحفظ الإرث والزعامة الدرزية ولا يزال، والتي يشكل الحزب التقدمي الاشتراكي أساسها وركيزتها، لكن الظروف تحكم «السياسة» في بعض الأحيان وتسرّع بعض الخطوات.

كثر الذين كانوا غير مقتنعين بأن استقالة جنبلاط من مجلس النواب وتسليم تيمور زمام الأمور ستعني غياب موقف جنبلاط أو انكفاءه سياسياً بالكامل، فالجميع يدرك أن هالة الحضور اي حضور وليد «بيك» ستبقى موجودة، وأن الإدارة السياسية للملفات ستبقى بين يديه وأن الرعاية الروحية لن تغيب حتى غاب الحديث عن التسلّم والتسليم بين الأب والابن.

نصيحة شريك سياسي تاريخي لزعيم المختارة بتأجيل مسألة الاستقالة، لحين موعد الانتخابات النيابية وهو الرئيس بري كانت مفيدة جداً نظراً للتطورات المفصلية بعدها والأحداث السياسية الكبرى في البلاد.

عملياً, أصبح تيمور جنبلاط زعيماً جاهزاً بكل ما للكلمة من معنى حسب مصادر بارزة لـ«البناء»، قادراً على تحمّل مسؤوليات الحزب يحضر الاجتماعات السياسية الهامة الى جانب والده الذي اصطحبه إلى أكثرها وبينها ما هو خارج لبنان للقاء مسؤولين وأمراء عرب وإعلانه وريثاً رسمياً أمامهم «ضمناً», لا يختلف الزعيم الشاب أو تنقصه خبرة أحد من الحاضرين الذين ورثوا أو سيرثون مقاعد آبائهم من سامي الجميل وصولاً لطوني فرنجية وقبلهم آخرون, لكن جنبلاط يتروّى مجدداً، فماذا تغيّر؟

مجدداً, فاز النائب وليد كمال جنبلاط بالتزكية برئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي على أن تُجرى انتخابات قيادة الحزب في 5 شباط الحالي. لم يترشّح تيمور لرئاسة الحزب ولم يستقل جنبلاط من مجلس النواب، بطبيعة الحال، لكن المعلومات تشير الى نية ترشيح تيمور لمجلس النواب في الانتخابات المقبلة كأرجحية.

سيخوض النائب جنبلاط إذاً الانتخابات النيابية المقبلة وهو «رئيساً» للحزب التقدمي الاشتراكي أمام جمهوره. وهو الأمر الذي أصبح الإبقاء عليه ضرورة, نظراً لما من شأنه أن يبقى على تماسك وتلاحم قاعدته الشعبية بعد سلسلة الاهتزازات التي أثرت إقليمياً على مواقفه وتحالفاته الداخلية, هذه الحسابات ليست سهلة معنوياً ولا تحتمل مجازفة «التسلّم» و«التسليم» السريع بين الأب والابن، فانكفاء النائب جنبلاط اليوم سيشبه الانكسار أمام محطات عدة في البلد، خصوصاً في هذا العهد الذي يروَّج فيه لغبن في حقوق الطائفة الدرزية أولاً ولما هو أبعد وأخطر من ذلك وهو الملف الذي لم يكن يتوقعه جنبلاط «المصالحة المسيحية المسيحية العونية القواتية» وتأثيرها الانتخابي العميق في الجبل.

تسليم قيادة الحزب قبل انكشاف الأمور انتخابياً وشعبوياً لن يكون وارداً قبل المجلس النيابي الجديد مهما طال الزمن، ومسألة غياب جنبلاط في هذا العهد، بحضور الثنائيات والثلاثيات «التحالفات المستجدة»، ولو حضر في «كواليسه» من دون ضمانات مرضية ستعتبر انتكاسة جديدة تضاف للعامل الأول الذي سبّبته الأزمة السورية ببقاء الرئيس السوري وعدم إسقاطه والمصالحة المسيحية كعامل ثانٍ.