باكراً احتدم الاشتباك السياسي، الدبلوماسي، الاعلامي، بين الادارة الاميركية الجديدة والجمهورية الاسلامية ال​ايران​ية. كانت طهران تتحسّب مسبقاً للمواجهة مع واشنطن بعد تولي ​دونالد ترامب​ رئاسة ​الولايات المتحدة​. السبب لا يتعلق فقط بالانسجام الترامبي-الاسرائيلي. يتعدى الأمر ذلك الى نظرة الرئيس الاميركي للقوى الاسلامية سنّة وشيعة. هو يعتقد ان واجب بلاده محاربة الاصوليّة الاسلامية، مهما كانت اختلافات مدارسها المذهبية والفكرية ودرجات تشددها. يقدم مساعدوه مقاربات في اطلالاتهم تفيد "أن الاسلاميين السنّة والشيعة متشابهون". يعتقد ترامب ان أهداف التشدد واحدة رغم الفروقات الشاسعة ما بين نهج الجمهورية الايرانية، والتنظيمات المتشددة.

عندما تكلم هاتفياً مع الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز تحدث ترامب عن مناطق عازلة في سوريا واليمن. يعني ذلك خطة لاجهاض النفوذ الإيراني في اليمن وضرب حلفاء طهران.

لم يكن يحتاج الأمر الى استهداف الحوثيين للبارجة السعودية كي تستنفر واشنطن وتُرسل المدمرة "كول" الى باب المندب. ولا المسألة محصورة بحفظ أمن المضيق والبحر الاحمر. هناك قوات اميركية كافية في قاعدة جيبوتي قادرة على حماية باب المندب والملاحة في البحر. إرسال "كول" الى المنطقة يوحي بأن الهدف اكبر. المقصود ضرب نفوذ طهران اولاً وإغلاق البحر الاحمر امام التمدّد الإيراني، ثم رفع وتيرة استهداف "القاعدة" ثانياً. من هنا أتى الإعلان الاميركي عن غارة "المارينز" القاسية على "القاعدة"، علماً ان الغارات الاميركية على التنظيم لم تتوقف منذ زمن، وهي حالت دون تحول اليمن الى مساحة مريحة بديلة لقاعدة أفغانستان. استهداف البارجة السعودية، والغارة الاميركية، وتحرك "القاعدة" الى أبين، والاشتباكات مع الحوثيين في البيضاء، جميعها عناصر تؤكد ان جديدا سيحصل في اليمن. فهل يكون بالهجوم الاميركي على مصالح الإيرانيين (الحوثيين) وشل قدرات "القاعدة" ايضا؟.

كل البيانات والتصريحات الخليجية توحي بعمل عسكري مرتقب في اليمن. قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي تحضرّت للتقدم ومواكبة المؤازرة الاميركية. هو جهّز ألوية من الجنوب ومن قبائل مأرب والشمال وأرسلهم الى جيزان التي سيطروا منها على ميدي.

كل معطيات اليمن والكلام الخليجي يؤكد ان المعركة الاميركيّة حاصلة. هل سيكتفي ترامب عسكرياً في حربه ضد مصالح ايران؟. ليس بمقدوره مواجهة قواتها العسكرية مباشرة بسبب وجود القواعد الاميركية جميعها في الخليج وتركيا والعراق تحت مرمى الصواريخ الايرانية. عدا عن ان ترامب يعتمد سياسة الانكفاء، لا خوض الحروب المفتوحة الكلفة. سيعتمد على بدائل، كإذكاء الخلافات الداخلية الايرانية بين الليبراليين والمحافظين، من خلال التضييق على الاقتصاد وزيادة العقوبات على طهران لتحقيق أزمات معيشية واجتماعية، ودفعها للتنازل تجاه اسرائيل وفي الساحات العربية.

لا يريد الرئيس الاميركي لإيران ان تملك اليد الطولى في العراق وسوريا واليمن. يعرف ترامب ان الروس لن يدافعوا عن طهران، ولا تركيا قادرة او يهمها ان تتصدى. موسكو تفضّل حصر النفوذ الإيراني ايضاً وخصوصا في سوريا، وتعتقد روسيا ان إراحة السعودية في اليمن يخفف من ضغوط الرياض في سوريا، فيعجّل في خطوات التسوية. كلها لعبة مصالح دولية متشابكة.

بالانتظار، بدت ايران في أولويّة الاجندة الترامبية، تتفوق عند الادارة الجديدة على مرتبة كوريا الشمالية. هذا ما يقرّب العواصم الخليجية من ترامب بعد هواجس وقلق وترقّب. السيناريوهات مفتوحة. لا حرب عسكريّة مباشرة بين الجبابرة، لكن التسويات الاقليميّة المرتقبة أصبحت على المحكّ. لقدأ بدأ ترامب "حزمه" باكرا. ربما يساعده الالتفات الى القضايا الدولية في الهروب من ازمة الداخل عنده.