تفاعل الكلام الذي صدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في جلسة مجلس الوزراء حين شدد على انه بين الفراغ والتمديد لمجلس النواب، سيختار الفراغ. وفيما رأى البعض فيها مؤشراً خطيراً الى نيّة لاحداث فراغ على مستوى السلطة التشريعية، انبرى آخرون للدفاع عن الموضوع وتوضيح الهدف الحقيقي من هذا الكلام.

في المبدأ، ان كل كلام عن فراغ على مستوى المؤسّسات يثير القلق والشكوك، وهو امر طبيعي ومنطقي، ولكن يبدو ان مجلس النواب تم إدخاله مرغماً في معادلة الفراغ التي سبقته اليها رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء. فالفراغ الذي تسيّد قصر بعبدا اكثر من مرة ولفترات طويلة، عانت منه ايضاً رئاسة مجلس الوزراء التي بقيت في ظل تصريف الاعمال فترات طويلة الى ان كانت تتم عملية تشكيل الحكومة بعد جهد جهيد. وبعد الطائف، لم يدخل مجلس النواب في المعادلة، حتى قبلها ايضاً "غرس" النواب جذورهم في البرلمان لعقود من الزمن بسبب الاحداث، ولكن بعد الطائف كانت تجرى انتخابات نيابية بغض النظر عن مدى تطابق القانون الانتخابي مع الرغبة الشعبيّة، وعن مقاطعة شرائح من المجتمع اللبناني لها.

ورأى الكثيرون ان ما قاله الرئيس عون أرسى معادلة قوامها ان الفراغ على مستوى مجلس النواب ليس اكبر وأخطر من الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية او رئاسة مجلس الوزراء (ولو ان الاخيرة تتمتع بأفضلية وجود من يديرها بصفة تصريف الاعمال)، وبالتالي فإن التهديد بالفراغ النيابي لن يشلّ البلد ولن يخرّبه. وتفيد مصادر قريبة من قصر بعبدا ان رؤية عون للفراغ نابع من اقتناع ان المجلس النيابي لم يقم بالدور المطلوب منه، وأنّ الامر ليس موجهاً ضد رئيس المجلس النيابي نبيه بري فعون عضو في هذا المجلس وانتقاده للنواب يشمله ايضاً وكتلته النيابية. وسألت المصادر عما قام به المجلس بعد التمديد له خوفاً من الفراغ في حينه، في ظل غيابه عن الاجتماع وتسيير الامور، والأهمّ في ظلّ عدم توصله الى اقرار قانون انتخابي كان وعد به المواطنين.

وتضيف المصادر نفسها: صحيح ان المشكلة كانت معقدة ومتشابكة وغير محصورة بالشق المحلّي، ولكنها ستستمرّ وبالتالي لا يجوز استمرار الوضع النيابي على حاله بمعنى إما التمديد او انتخاب مجلس جديد هو صورة طبق الأصل عن المجلس السابق، فيكون التمديد قد حصل بالفعل إما للنواب او للحالة التي يعيشها البرلمان. وبالتالي، وفي مقابل عدم التقليل من أهميّة الاستمراريّة النيابيّة، لا يمكن ايضاً تضخيم التهويل، اذ يمكن الاستفادة من هذا "التهديد" لوضع الجميع امام مسؤولياتهم والاسراع في الوصول الى قانون انتخابي يؤمن، ليس التجسيد الكامل لآمال اللبنانيين، ولكن على الاقل الحد الادنى منه لتكون المسألة بمثابة الخطوة الاولى على الدرب الطويل لانجاز القانون المنشود.

الدفاع عن رؤية عون يقابله اصرار على عدم ادخال مجلس النواب في معادلة الفراغ، بالاستناد الى ان المجلس النيابي منبثق من الشعب وهو الذي يؤمّن وصول رئيس الجمهورية الى السلطة ويساهم بشكل فاعل واساسي في ايصال رئيس مجلس الوزراء، اضافة الى الدور التشريعي المناط به. ويدعو معارضو كلام عون، الى التركيز على السبل الآيلة الى تفعيل عمل المجلس واستغلال الوقت لايجاد قواسم مشتركة كفيلة باقرار قانون انتخابي بدل التهديد بجرّ البرلمان الى الفراغ، مع كل ما يعنيه ذلك من ضغط دولي سيمارس على لبنان، بدليل ما حصل قبيل الانتخابات البلديّة التي اصرّ العالم على اجرائها في موعدها، فماذا سيكون عليه الموقف الدولي في حال عدم اجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها او حصول فراغ على مستوى المجلس النيابي؟ وكيف سيواجه لبنان رئيساً وحكومة وشعباً المجتمع الدولي في هذه الحال؟