نظرة عامة سريعة تكفي لاستشفاف "وجه الشبه" بين الشعبين ال​لبنان​ي و​اليونان​ي، فهو بالشكل لا يحتاج الى تدقيق، كذلك في طبيعة البلد والمناخ وهذا أمر غير مستغرب لكون البلدين على حوض البحر الابيض المتوسط، انما المفاجىء كان أن يستقبل اليونانيون زوارهم اللبنانيين بعبارة "نحن منشبه بعض بكل شيء".

بعد سماع هذه العبارة لا بد أن تبستم وتثني على الكلام الجميل، فاليونان "المديونة" تشبه لبنان "المديون"، ولكن بعد مكوث ساعات قليلة في ذلك البلد تبدأ باكتشاف الفروقات الكبيرة. عند الخروج من المطار يستقبلك سائقو "التاكسي" عارضين خدماتهم، فيُخيّل اليك لولا استخدامهم لغة أجنبية أنك في لبنان، 60 يورو هي كلفة سيارة الأجرة من المطار الى الفندق في أثينا، كلفة عالية على من يبتغي الرفاهية والسرعة، ولكن نظرة واحدة الى اليمين كفيلة بنقلك من لبنان الى اليونان، فمحطة الباصات غير الموجودة في لبنان، توفر عليك الكثير وتنقلك بـ6 يورو من المطار الى المدينة، برحلة محددة الوقت بطريقة دقيقة.

لم يكن هذا الباص يتيما، فالنقل العام في اليونان مبهر، باصات وقطارات وآليات عاملة على الكهرباء، محطات كثيرة ودقة في المواعيد مع كلفة متدنيّة تبلغ يورو ونصف، وهذا بالمقارنة مع سعر صفيحة البنزين التي تصل لحدود الـ23 يورو، مبلغا زهيدا، فلا تجد حاجة هناك لاستخدام السيارة الخاصة وهذا ما يجعل شوارع أثينا خالية من زحمات السير الخانقة.

يعاني اليونان من الديون التي تصل الى حوالي 175 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي الوطني، حسبما تقول احدى موظفات الفنادق لـ"النشرة"، مشيرة الى أن هذا الدين أرهق اليونانيين بسبب الاجراءات الصعبة التي التزمت بها الحكومة اليونانية مقابل الحصول على المساعدات المالية من الدول الاوروبية، انما هذا الحمل الثقيل لم يؤثر على خدمات الدولة الاساسية للمواطنين من كهرباء وماء ونقل عام مشترك، فهذه الامور متوفرة في بلدنا منذ زمن. يتظاهر اليونانيون حسب الموظفة، رفضا لقوانين لها علاقة بالأجور وسن التقاعد والتهرّب الضريبي والضرائب الزراعية، ولكنهم في اضرابهم يحترمون باقي المواطنين، فإضراب عمال النقل العام مثلا لا يترك المواطنين بلا حلول اذ يتم الاعلان عن الاضراب قبل حصوله بأيام وعن الخطوط التي ستتوقف عن العمل وعن الطرقات التي ستقفل وعن الخيارات البديلة التي يمكن اللجوء إليها لتسيير شؤون الناس.

غريب! أين هو الشبه الذي يتحدث عنه اليونانيون، ربما يتحدثون عن "قيادة السيارات" ففيها بعض التهور انما مع الاحترام الكامل لإشارات السير، ولكنهم حتما لا يتحدثون عن الانتشار الامني الكثيف حول المقار الرسميّة مثلا، فمجلس النواب اليوناني المتواجد في وسط العاصمة في ساحة "سانتيغما" يشكل "محجّة" للسياح، وعلى بابه يقف حارسا "شرف" يرتديان زيا غريبا ويقومان بحركات أغرب. لا وجود لعوائق حديدية وصخور، ولا وجود لعناصر امنية تبث الخوف في نفوس البشر وتجعلك تشعر بعدم الراحة والسلام، رغم وجود "التظاهرات" و"الاحتجاجات" التي حفرت عميقا على جدران مدينة أثينا عبارات مناهضة للحكومة وللاتحاد الأوروبي، ورغم وجود اعداد كبيرة من اللاجئين.

بعد قضاء أيام قليلة في اليونان قد تصل الى حقيقة الشبه بين اليونان ولبنان، فالشبه يظهر في الطبيعة الانسانية والتفكير، فالشعب اليوناني كاللبناني يُشعر السائح وكأنه في بلده، مرحّبا به على الدوام، إنما الفارق الشاسع يكمن بين المسؤولين عن اليونان الذين جعلوا بلدهم "منارة" رغم فسادهم الذي يتحدث عنه الاعلام العالمي، والقيّمون على لبنان الذين جعلوا بلدهم "عمارة" يتقاسمونها كما يشتهون مع حرمان المواطنين من ابسط الحقوق.

من الضروري أن تبتسم عند الحديث عن الشبه بين لبنان واليونان، فالسائح يشكل صورة بلده في الخارج ومن الضروري المحافظة عليها، ولكن يُقال أن الحكّام هم صورة عن شعبهم، فهل فعلا يستحق الشعب اللبناني حكامه؟.